سأخبركم بقصة شهيرة تتكرر في عالم الإدارة، وتنسب إلى مصادر مجهولة حسب الكتب والمواقع الإدارية المتعددة، ولا أستبعد أنها مختلقة وإن كانت جميلة ومفيدة جدا، إلا أن أطرف من سمعتهم يروونها في محاضراتهم، شخصية قيادية كويتية «زودها حبتين» وقال إنه حوار جرى بينه وبين صديق له من المشاهير الناجحين في عالم الإدارة!

Ad

القصة تقول إن مراسلا صحفيا سأل مدير بنك كبيرا ناجحا عن سر نجاحه، فأجابه مدير البنك قائلا: سأجيبك بكلمتين، «بالقرارات الناجحة»!

فقال له الصحفي، وكيف تمكنت من الوصول إلى هذه القرارات الناجحه يا سيدي؟ فأجابه المدير قائلا: سأجيبك بكلمة واحدة، «بالخبرة»!

فقال له الصحفي وكيف تمكنت من اكتساب هذه الخبرة؟ فقال له: سأجيبك بكلمتين، «بالقرارات الخاطئة»!

قد ينظر بعضكم إلى القصة على أنها لم تأت بجديد، لكنها في الحقيقة أعمق بكثير من ظاهرها البسيط الظريف، فالحقيقة أن كل حياة الإنسان بمجمل تفاصيلها وصولا إلى دقائقها، تشكلها القرارات المتتالية، سواء أكانت كبيرة وحساسة وعميقة، أو كانت قرارات بسيطة روتينية، كتلك القرارات اليومية التي يتخذها الإنسان طوال يومه.

هل آكل هذا أو لا آكله؟ هل أنام أو لا أنام؟ هل أمارس الرياضة أو لا أمارسها؟ هل أسافر أو لا أسافر؟ هل أدرس أو لا أدرس؟ هل أقبل هذه الوظيفة أو لا أقبلها؟ هل أستقيل وأذهب للقطاع الخاص أو أظل في القطاع الحكومي؟ هل أستثمر في هذه الفرصة المالية أو لا؟ هل أقترض أو لا أقترض؟ هل أشتري هذه السيارة الغالية بالأقساط أو لا أشتريها؟ هل أتزوج هذه المرأة أو لا أتزوجها؟ هل أفعل هذا الشيء أو لا أفعله؟ هل وهل وهل، وعشرات الأسئلة الأخرى المبتدئة بكلمة «هل» على مر حياة الإنسان، هي التي تشكل حياته وتصوغ مسيرتها وتحدد نتائجها ووجهاتها.

وتطور حياة الإنسان، وارتقائه على سلم الحياة، عبر هذه الخريطة التي يرسمها هو بنفسه من خلال قراراته الكبيرة والصغيرة، رهين بمقدار ما يتحصل عليه من خبرات يكتسبها عبر قراراته التي ستعود عليه بنتائج إيجابية وكذلك تلك التي ستعود عليه بنتائج سلبية، وهي الأهم في نظري لأنها هي الجحور التي سيلدغ منها فيتعلم!

لكن المفارقة الإنسانية المضحكة، أن أغلب الناس لا يلقون لهذا بالا، فتسير حياتهم «بالدفع الذاتي»، وكأنهم ريش في مهب الريح، وكأنهم لا يبالون على أي أرض وقعوا وفي أي ناحية صاروا, لكن الحقيقة أنهم يبالون، بل يبالون كثيرا بما تؤول إليه أحوالهم، حتى لو أوهموا أنفسهم بعكس ذلك، والدليل أنا نراهم مستغرقين في الشكوى والتذمر من كل شيء وأي شيء يحيق بهم، والذي هو في غالبه من كسب أيديهم، أو سأقول إنها من كسب قراراتهم غير السليمة.

رسالتي هنا هي أن حياتك أيها الإنسان بيدك، وإن ظهر لي من سيقول إن حياة الإنسان محكومة في نهاية المطاف بقدر الله، فسأقول له نعم، ولكنه بقراراته وحسن اختياراته وتعلمه من تجاربه سيفر من قدر الله إلى قدر الله، كما قالها يوما الفاروق عمر بن الخطاب، فأحسنوا اتخاذ القرارات وخططوا لحياتكم، لأن من يفشل في التخطيط لحياته فقد قام في الحقيقة بالتخطيط، وعن سبق إصرار وترصد، للفشل!