أعطيت المرأة السعودية والخليجية مساحة للمشاركة في مهرجان الجنادرية لهذا العام بشكل لافت ما يدعو إلى التفاؤل بمزيد من المشاركات النسائية الفاعلة في المستقبل. المهرجان الوطني للثقافة والتراث «الجنادرية»، الذي يُقام في المملكة العربية السعودية، وتحديدا في عاصمتها الرياض، يعد أحد أهم التظاهرات التي تقام سنويا على امتداد الوطن العربي، وقد اختتم قبل أسابيع قليلة دورته الخامسة والعشرين من عمره.

Ad

وتأتي أهمية هذا العرس الوطني ليس فقط من نشاطاته الثقافية المتنوعة، بل لأنه يعكس الفكر الحضاري لوطن يمثل حجر الأساس في رؤية الآخرين لتطور المجتمعات الإسلامية والعربية على حد سواء، وتشكيل فهمهم لنمط تفكير هذين العالمين.

واللافت في مهرجان هذا العام، أن المرأة أُعطيت مساحة للمشاركة أكبر من المعتاد في دوراته السابقة، ما يعكس رغبة حقيقية في خلق مجتمع طبيعي، تشارك فيه المرأة وتعطي وتساهم في رسم حياة لمجتمع ظل يسدل عليها الأحجبة والأغطية، لتبقى على هامش مسيرته.

ففي السنوات الأولى من عمر هذا المهرجان، لم تكُن مشاركة المرأة في «الجنادرية» سوى مشاركة هامشية، من خلال وجود بعض النسوة الكبيرات السن اللاتي افترشن الأرض لبيع بعض المنتوجات الغذائية والأكلات الشعبية، وبقين يصارعن من أجل إبعاد الذباب عن تلك المنتوجات أو من أجل الحصول على نسمة هواء لطيفة تخفف عن أنفاسهن صلافة الحر! أو من خلال مشاركة بعض النساء الأخريات اللاتي يقمن ببعض الأعمال الحرفية التراثية كغزل السجاد، وحياكة بعض الملابس الشعبية!

هذا العام كانت مشاركة المرأة أكبر في نشاطات المهرجان وأكثر فاعلية، وكان لها حضور لافت مقارنة بالسنوات السابقة، ولا نقول مقارنة بالطموح.

فقد شاركت المرأة كأحد المشاهد اليومية في دورة هذا المهرجان، بدورها التقليدي المتمثل في عروض التراث، إذ كانت الصانعة والمنتجة، لكنها بدل أن تفترش الأرض خُصِّص لمثل هذه الفعاليات أركان وزوايا في موقع المهرجان، كما أن أدوات الإنتاج المستخدمة في المنتوجات تعدت الأدوات التقليدية البسيطة، وأدخل عليها بعض أدوات التكنولوجيا الأكثر تطورا!

لكن حضور المرأة لهذا العام لم يقتصر على مشاركتها التقليدية في عرض بعض المنتوجات والمصنوعات التراثية، بل تعداه ليصبح لها نصيب في المشاركة الثقافية من خلال الأنشطة والفعاليات والأمسيات الشعرية والفكرية التي حفل بها المهرجان، وخُصِّصت للحضور النسائي من الجمهور، بل إن المشاركة النسائية تعدّت بُعدَها المحلي إلى العربي وحتى العالمي، كمشاركات أساسيات في فعاليات المهرجان أو كضيفات مدعوات من خارج المملكة.

ففي الأوبريت الافتتاحي مثلا، وهو أحد أهم فقرات الجنادرية في كل عام، والمُتابَع على المستويين الرسمي والجماهيري، أصبح للصوت النسائي حضور من خلال المشاركة الغنائية للفنانة يارا، علما أنه سبق للفنانة نوال الكويتية المشاركة في هذا الأوبريت، لكنها كانت مشاركة خجولة ولا تعكس رغبة لتأصيل هذا الحضور.

وقد برزت هذا العام رغبة من القائمين على المهرجان بإشراك المرأة أكثر فيه، وإعطائها دورا مهما لا هامشيا في رسم معالمه، من خلال الإعلان عن نية حقيقية في تكليف إحدى الشاعرات كتابة أوبريت الجنادرية للعام المقبل، وهذا إن حدث فهو يعتبر بحق نقطة تحول في مسيرة المهرجان، إذ إن كتابة الأوبريت تعتبر تشريفا عظيما يتسابق الشعراء جميعا إلى نيله، وحين يتم تكليف شاعرة بكتابته فهذا يعني لأول مرة في تاريخ المهرجان، أن هذا الشرف ليس مقصورا على الذكر، إنما من حق المرأة أيضا أن تتساوى معه في الحصول على هذا الشرف، ومن حقها أيضا أن تكتب مسيرة التاريخ وتوثق هذه المسيرة التنموية للمجتمع.

وفي هذه المناسبة، نتمنى لو حدث هذا فعلا وتمت كتابة الأوبريت من قِبل شاعرة، وأن يكتب بعين أنثى لا بعين رجل، ويتم رصد هذه المسيرة الاجتماعية وانعكاسها على المرأة ودورها في مسيرة العطاء.

وفي هذا العام، تم تكريم أسماء نسائية لمثقفات وأديبات كبيرات على مستوى دول مجلس التعاون، أسهمن في الحياة الثقافية والفكرية العامة، وكان لهن دور بارز ومهم في العطاء الإبداعي.

وتم أيضا في هذا العام ابتكار شخصية نسائية تحمل اسم «سويّر»، ذات الملامح الخليجية وزيّها الذي يحمل تراث الماضي، هذا الابتكار لهذه «التعويذة» له دلالاته الفكرية والمعنوية للدور النسائي.

ومن خلال ما سبق، يتبين أن المهرجان أخذ منحى جديدا في ما يتعلق بالمشاركة النسائية في تشكيل ملامح المهرجان ورسم سماته، مما يعكس نهجا جديدا في التعاطي مع المرأة بهذا المهرجان.

لكنه كما كل عمل متميز لا يخلو من المنغصات أحيانا، فقد صاحب هذا النهج في هذا المهرجان بعض السلوكيات من بعض الذين اؤتمنوا على إبراز صورة العمل الوطني الجميلة، ولم يحفظوا هذه الأمانة.

فلقد شارك بعض من الفتيات في بعض اللجان المؤقتة التي تنشأ عادة في كل عام خلال فترة الإعداد لهذا المهرجان إلى حين انتهائه، كاللجان الإعلامية والخدماتية، لكنهن تعرضن للإهانة والابتزاز من قبل بعض المسؤولين الرسميين في المهرجان من ضعاف النفوس، هؤلاء الذين يستترون تحت اسم الحرس الوطني الراعي والمنظم لهذا المهرجان الوطني العظيم، ويقومون باسمه وتحت رايته بممارسات مشبوهة ومريبة، لاستغلال بعض بنات الوطن الباحثات عن عمل شريف، وأي عمل أشرف من العمل الوطني تحت راية أهم جهاز عسكري في الوطن!

نعلم أن هناك تحقيقا يجرى الآن بشكل سري مع بعض الأسماء، بخصوص تلك الممارسات السلوكية السيئة والدنيئة، لكن نرجو ألّا تتدخل المحسوبيات والعلاقات الشخصية في هذه التحقيقات، وألّا تأخذ القائمين بها رحمة ولا شفقة بحق هذه النوعية المريضة التي تمارس أبشع السلوكيات باسم الوطن، وليس من الجائز أن يسيء البعض للمرأة ويهينها، بينما أراد الوطن تكريمها ورفع قدرها وقيمتها.

وليس من الجائز أن تتحول الغرف والأجنحة في بعض الفنادق إلى أماكن موبوءة تمارس فيها الأفعال المشينة، ويدفع الوطن فاتورتها.

وليس من الجائز أيضاً، أن مَن تُقدم جسدها على طبق من رغبة من اللاتي يعملن في تلك اللجان، يكون لها الحظوة والاحترام، بينما تُهان وتُحارب اللواتي أتين محبات لخدمة هذا الوطن والحصول على مكافأة شريفة، ولو حتى معنوية.

وليس من الجائز أخيراً، أن يُسمح لمثل هؤلاء أن يشوهوا رغبة وطنية سامية حرص صرح وطني مهم على تجسيدها، هذه الرغبة التي تمثلت بشائرها في هذا مهرجان هذا العام بإشراك النصف المعطل في المجتمع في المساهمة بالتنمية على كل المستويات.