من الصعب إغفال ذكرى وفاة الشيخ عبدالله السالم.

Ad

في 23 أكتوبر 1965، دخل الشيخ عبدالله السالم رحمه الله إلى مجلس الأمة، توقف برهة، حيث تم عزف السلام الأميري، وأكمل طريقه ليفتتح دور الانعقاد العادي لمجلس الأمة. بدأ رحمه الله بإلقاء النطق السامي متمنياً "دوام التوفيق في التعاون المثمر بينكم (أي المجلس) وبين الحكومة"، إلى أن ختم بقوله "والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته". كان النطق السامي قصيراً جداً، ولكن صوته رحمه الله كان متهدجاً، منهكاً، جلس بعد ذلك، وبدأ الشيخ صباح السالم رحمه الله رئيس الوزراء وولي العهد آنذاك بإلقاء الخطاب الأميري، إلا أن حركة وهرجاً ومرجاً أدت إلى ارتباكه وتوقفه عن القراءة متلفتاً عن سبب التراكض غير المألوف. كان سبب ذلك هو إصابة الشيخ العود بأزمة قلبية أطلق عليها الإعلام الرسمي "وعكة صحية". كان مصطلح "وعكة" جديداً على آذاننا، حيث ظل ذلك المصطلح يتردد في الإعلام مدة شهر كامل حتى توفاه الله في 24 نوفمبر 1965.

يبدو أن مفاجآت ذلك الرجل لم تكن لتنتهي. فكأنه قد قرر أن يودعنا من مجلس الأمة في إشارة رمزية لا يمكن تجاهلها، فأزمته القلبية أصابته في المجلس وكأنه يقول إنه متمسك بالدستور حتى آخر رمق، وهكذا كان رحمه الله.

طوال الشهر الذي انقضى من إصابته بتلك "الوعكة" حتى وفاته، ظلت الكويت واجمة، تتمنى أن يخرج عليها بابتسامته مطمئناً لها وعليها، ولكن أمر الله فوق كل شيء.

كان يشرف على علاجه طبيبان هما د. ناظم الغبرا رحمه الله، ود. أحمد الخطيب أطال الله في عمره، ويقول د. الخطيب إنه بدأ باستعادة شيء من عافيته إلا أنه في لحظاته الأخيرة تعرض لبرد عقّد وضعَه الصحي، كما يقول إنه في أيامه الأخيرة عندما أصبح البلع عنده صعباً، كان يشرب الماء عن طريق مص الثلج، وأحياناً لا يستطيع الحديث، وفي إحدى المرات كان يجلس على فراشه الشيخ سعد العبدالله رحمه الله ود. الخطيب، فكان يأخذ قطعة ثلج فيضعها في فم د. الخطيب وقطعة أخرى في فم الشيخ سعد.

ولئن كان للسلاسة والانسيابية رموز فلاشك أن عبدالله السالم سيكون من ضمنها.

وفي يوم 24 نوفمبر 1965 انتشر الحزن في الفضاء وفي الأمكنة، ولم يتمكن مذيعو الأخبار من تكملة الخبر وعلى رأسهم رضا الفيلي فانهمروا بالدموع. الكويت برمتها بكت عقلها، ورزانتها، وبُعد نظرها، وعذوبتها، وسلاستها، ورومانسيتها. خرجت البلاد عن بكرة أبيها، وامتلأت مقبرة الصليبيخات بالبشر، الكل يريد أن يعبر عن حزنه فقد كان لكل إنسان في الكويت ملكية مشروعة في ذلك الرجل الجميل الذي ذهب. والغريب حتى وأنا أكتب هذه المقالة فوجئت بدمعة أبت إلا أن تخرج.

كانت مغادرته لنا إيذاناً بالبدء في التحرك ضد المؤسسة الديمقراطية، فبعد وفاته بأقل من أسبوعين وبالتحديد في 7 ديسمبر استقال نواب في مجلس الأمة هم عبدالرزاق الخالد، وراشد التوحيد، وعلي عبدالرحمن العمر، وجاسم القطامي، وسليمان خالد المطوع، ويعقوب الحميضي، ود. أحمد الخطيب، وسامي المنيس رحم الله منهم من توفاه الله، وأطال الله في عمر من لايزال حياً. كانت الاستقالة احتجاجاً على صدور قوانين غير دستورية. وتوالت الإجراءات فتم حل المجلس البلدي بعد 5 أشهر وتبديد 200 مليون كانت قد رُصدت للتثمين، ثم جاء تزوير الانتخابات في يناير 1967.

ما إن تُوفي ذلك الرجل السلس الجميل حتى بدأت مراجعة شاملة لمشروع الدولة واستعادة مشروع الحكم.

لذا لم يكن رحيله مجرد وفاة لشخص عظيم ولكن كان بداية نهاية لحقبة لم يتسن لها أن تنضج.

فيا أيها الرجل الجميل، يا شيخنا العود، رحلت منا، فعليك السلام، ولك السلام، فمن السلام جئت وللسلام أتيت وإلى السلام ذهبت، فليرحمك الله رحمة واسعة ويجزيك عنا خير الجزاء.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة