الدقمة .. أسرع طريق إلى الجنة!
كان الفيلد مارشال «مونتغومري» يتحدث في حفل افتتاح مطبعة جديدة أنشأها أحد الناشرين لطبع كتب التراتيل الدينية، فدعا مونتغومري بقوة إلى إعادة كتابة بعض التراتيل التي يراها متناقضة مع طبيعة الإنسان الحقيقية تناقضا كبيرا. وقال مونتغومري الذي اشتهر بتدينه وتقواه: إننا ننشد على الدوام قائلين «أيتها الجنة... أيتها الجنة... كم نتوق إليك». ولكننا لا نتوق إليها حقا، بل نتوق إلى البقاء هنا فترة أطول!
ثم أضاف قائلا: أود أن أرى مؤلفاً يكتب «أيتها الجنة... أيتها الجنة... إن لي حانوتا صغيراً ومادامت أرباحي منه مستمرة... فإنني أريد البقاء هنا»! «مونتغومري» لم يطل به البقاء في هذه الدنيا ليقابل «أبو هاجر المطيري» وباقي الشباب الذين لهم رأي آخر مخالف لرأي مونتغومري في رغبة البشر في البقاء في هذه الدنيا وعدم استعجالهم الذهاب إلى الجنة! فعلى موقع اليوتيوب هناك مقطع فيديو بعنوان «أبو هاجر المطيري... آخر لحظات الوداع». احتوى على ما يسميه الانتحاريون في العراق وغيرها بـ«زفة الشهيد»، حيث يقوم هؤلاء بتصوير اللحظات الأخيرة للمنتحر الذي سيقوم بعد قليل بتفجير نفسه وسط مجموعة من البشر لا يعرفهم ولا يعرفونه ليصل إلى الجنة من أقصر الطرق عبر نثر أشلائهم ودمائهم في الهواء! يقول المحتفى به «أبو هاجر المطيري» وهو بالمناسبة شاب خليجي لم يجاوز العشرين من العمر حسب ما تقول ملامحه قبل لحظات من ذهابه إلى عمليته الانتحارية بسذاجة قلّ نظيرها والابتسامة تعلو محياه: أوصي إخواني بالثبات وأوصيهم بـ«الدقم... الله الله بالدقم» حدثوا أنفسكم بالشهادة، والله أسرع طريق إلى الجنة، كم قاتلنا في معارك ما لقينا شيئا، والله ما في غير «الدقمة» كلها لحظات، وأنت عند «الحوريات» تشيلك... شجعوني بالثبات يا إخوان»! بعد ذلك يُعرض تسجيل للعملية الانتحارية التي يقوم بتصويرها عراقي كان بين عبارة وأخرى يثني على كلام «أبو هاجر» بقوله «الله أكبر... الله أكبر»، ويبدو لي، والله أعلم، أنه يضحك من سذاجة هؤلاء الذين يصورهم، فقد بدت نبرته ساخرة بعض الشيء! والأسئلة هنا: ما الذي جعل «أبو هاجر» وباقي زملائه المنتحرين الذين هم في مقتبل عمرهم يرفضون الحياة ويختصرون رسالتهم فيها بضغطة «دقمة»؟ ومن الذي أوصلهم إلى هذه المرحلة من كراهية الدنيا واستعجال الموت لمقابلة الحوريات؟! هل هو التعليم المتخلف والمتردي أم هو عدم تكافؤ الفرص أم هو الكبت العاطفي أم شيوخ التحريض على الكراهية والموت لأبناء غيرهم من البشر في الوقت الذي يبعثون أبناءهم إلى الدراسة في أميركا وأوروبا؟! «مونتغومري» كان يعيش بين بشر يعشقون الحياة لأن لديهم ما يصنعونه فيها: الطموح في الدراسة والنجاح في العمل وممارسة الهوايات وإنشاء أسرة سعيدة بعد اختيار الشريك المناسب، كل هذه أمور تجعل تفكير الإنسان بعيدا عن «الدقمة» وعن الاستقبال الحافل والحار للحوريات الذي ينتظر الإنسان المؤمن بعد انتهاء رحلته في الحياة، لكن أبا هاجر وجماعته من المغرر بهم لم يجدوا ما يصنعونه في هذه الحياة، فاستعجلوا الموت وقرروا ألا يموتوا وحدهم، فعشرات الجثث يجب أن تصحبهم في هذه «الزفة» الانتحارية الحافلة! ذهبت روح «أبا هاجر» إلى بارئها تبحث عن الحوريات ونسيت أن هناك حورية صغيرة اسمها «هاجر» تسأل عن والدها الذي ربما لم تره في حياتها، وتتساءل: لماذا هي من دون الفتيات حولها بلا أب يغمرها بحبه ورعايته وحنانه؟! والجواب عند أهل «الدقمة» والمحرضين عليها، وهم ليسوا بعيدين عنا، وعن أبنائنا بالمناسبة، وقد يصبح ابنك أو ابني يوماً ما من أهل «الدقم» إن لم ننتبه ونأخذ حذرنا منهم! كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة