ثمة مجموعة كبيرة من المسؤولين في القطاع النفطي يؤيدون خصخصة بعض الشركات التابعة لمؤسسة البترول الكويتية، ولكن دائما ما يختمون حديثهم بتأجيل هذا الأمر لحين صدور قرار من مجلس الأمة، أما هذه الأيام فهناك أمر آخر أكثر أهمية وهو  مصير السياسة النفطية في الكويت، إذ إن المشاريع الكبرى معطلة لغياب المجلس الأعلى للبترول المتوقف منذ أكثر من عام! فهل سيكون تشكيل "الأعلى للبترول" الشماعة الجديدة لتعطيل المشاريع النفطية؟ ام سيلغى وتُرسم السياسة النفطية من قبل مجلس الوزراء؟

Ad

قال مصدر نفطي مسؤول إنه لا بديل حاليا عن المجلس الأعلى للبترول لرسم السياسة النفطية سوى تغيير القانون المتعلق بتشكيل "الاعلى للبترول" أو الإسراع في تشكيله لان قانون مؤسسة البترول لعام 1980 نص على اختصاصات المجلس الأعلى للبترول، ومنها رسم السياسات النفطية وتنظيم المناقصات وإقرار الحسابات الختامية والميزانيات، كذلك إقرار اللوائح المالية للعاملين.

وأشار المصدر الى انه لا يعرف من هي الاسماء التي تم تداولها للمجلس الاعلى للبترول الجديد، او من رفضها، مؤكدا أن الكل يعرف ان هناك مشاكل تعرض لها المجلس الاعلى للبترول في نهاية 2008 بعد إلغاء مشروع الشراكة مع داو كيميكال وتأخر بعض المشاريع اهمها المصفاة الرابعة.

وأضاف المصدر أن الحكومة اليوم تتباكى على خسارتها من إلغاء الشراكة مع شركة عريقة في مجال البتروكيماويات مدعية في السابق ان الشركة خسرانه، وسيتم إفلاسها وسهمها 7 دولارات! موضحا ان من كان يراها خسرانه ليشاهد أسهمها حاليا وعلاوة على خسارة الشراكة ستتعرض الحكومة الى مطالبات من قبل الشركة بتعويضها 2.5 مليار دولار.

الكويت تخسر مصداقيتها

وقال: "لو ان الحكومة فكرت الآن في إعادة فكرة الشراكة فلن تحصل على نفس السعر السابق بسبب ارتفاع اسهم الشركة حاليا، اضافة الى خسارتها لعامل المصداقية في التعامل مع الشركات، موضحا ان الكويت خسرت مشاركة كانت ستحقق منها ارباحا كثيرة، لكنها اتجهت الى شراء ودعم بنوك اجنبية خسرانه مثل بنك ميريل لينش وبنك "سيتي غروب" الذي لولا ان غيرت اميركا سياستها مع البنك لكانت خسارة الكويت فادحة.

واوضح المصدر ان المشكلة الحقيقية تكمن في تدخل الحكومة في المجلس الاعلى للبترول، وباقي المجالس العليا متسائلا ما هو الضمان عند تشكيل المجلس الاعلى للبترول الجديد الا تتدخل الحكومة فيه وتفرض آراء فوقية على مجلس فني؟ طالبا من الحكومة عند تشكيل المجلس ان تعطي "الخباز خبزه" لكي لا تقع في نفس اخطاء الماضي.

وعلق المصدر على عدم اجتماع المجلس الأعلى للبترول طوال عام 2009 قائلا: "هذا دليل على انه لا توجد سياسة نفطية" مشيرا الى انه عندما يتم الحديث عن تغيير في الخطة الانتاجية وتغيير الاستراتيجيات دون اللجوء الى المجلس الاعلى للبترول هو دليل على ان هناك لاعبا واحدا يدير زمام السياسة النفطية وهي مؤسسة البترول، مؤكدا ان الاخيرة مؤسسة تشغيلية ليس من اختصاصها تعديلات خطط الانتاج، وهذا الامر من اختصاص وزارة النفط والمجلس الأعلى للبترول.

واستغرب المصدر من تصريحات بعض القيادات النفطية الخاصة بتغيير انتاج النفط الثقيل من 750 الف برميل يوميا الى 250 الف برميل يوميا، مشيرا الى من اقر هذه السياسة وعلى اي اساس تصدر التصريحات دون اي موافقات من المجلس الاعلى للبترول او وزارة النفط، طارحا عدة تساؤلات مهمة  للمسؤولين على القطاع النفطي منها لماذا تتأخر خطط انتاج الغاز الحر؟ من المسؤول عن هذه التعديلات؟ هل هو المشغل؟! وما تأثير ذلك على الخطط الانتاجية وعلى الاتفاقيات والعقود الانتاجية؟ موضحا لماذا وقع العراق المحرر قبل 4 سنوات اتفاقيات على تطوير حقوله النفطية مع الشركات الكبرى، والكويت متحرره قبل 19 عاما ولم توقع عقدا واحدا لتطوير الحقول؟ والاهم من ذلك اين المسؤولون عن مستقبل حقل "برقان" اكبر حقل لإنتاج النفط في الكويت الذي بدأ خلال السنتين الماضيتين منحناه الانتاجي بانحدار وما هي البدائل له؟

مستقبل القطاع النفطي

واوضح المصدر ان مستقبل القطاع النفطي في حال تم اقرار خطط وبرامج الحكومة للسنوات الخمس القادمة، وتم اقرارها بقانون في ظل غياب الاجهزة المسؤولة عن القطاع النفطي فمن غير الضروري وجود المجلس الأعلى للبترول، ويجب الغاؤه، طالبا من مجلس الوزراء وضع الخطة النفطية مع وزارة النفط.

وعلق المصدر متسائلا: هل وزارة النفط لها دور حاليا وقادرة على المشاركة في رسم السياسة النفطية، وهي متعطلة اكثر من 10 سنوات بالإضافة الى تعطل المجلس الأعلى للبترول اكثر من سنة فهل تستطيع الكويت ان تنهض بقطاعها النفطي بضلع واحد؟

مجلس الوزراء

المخول السياسة النفطية

قال عضو المجلس الاعلى للبترول السابق د. على أكبر ان دور المجلس الأعلى للبترول هو توجيه الصناعة البترولية في الدولة بداية من الاستكشافات الى صناعة البتروكيماويات ودراسة المكامن وزيادة الاحتياطي اما الدور الثاني للمجلس وهو دور رقابي ويشرف على تنفيذ الاستراتيجية المرسومة التي تهدف في نهاية الامر الى تحقيق الانجازات في الصناعة النفطية. كما يصدر المجلس مجموعة من التوصيات والقرارات التي تذهب في نهاية الامر الى مجلس الوزراء لإقرارها.

مشيرا الى ان الوضع الحالي في ظل غياب المجلس الاعلى للبترول يتولى مجلس الوزراء زمام الامور المتعلقة بالقطاع النفطي.

وتساءل اكبر عما اذا كان مجلس الوزراء قادرا على وضع السياسات النفطية بمفرده؟ واجاب انه يشك في ذلك.

وعما اذا كان لمجلس الوزراء مكاتب استشارية لرسم السياسة النفطية او لديهم القدرة الذاية لذلك، قال اكبر انه لا يعتقد ان يقوم مجلس الوزراء بهذا الامر، ولكن هم الجهة الوحيدة المخول لها ان تأخذ دور المجلس الأعلى للبترول في حال غيابه.

وفي ما يتعلق بغياب اجتماعات المجلس الاعلى للبترول طوال عام 2009 وهل لتأخير تشكيل المجلس كلفة على سير العمل في القطاع النفطي، قال اكبر ان هذا الامر كلفته كبيرة جدا، موضحا ان المجلس الأعلى للبترول لم يجتمع، ولكن اعمال لجان المجلس مستمره وممثلة في ثلاث لجان هي الفنية، الاستراتيجيات، والمالية وتوقفت عن العمل قبل اربعة اشهر وجميع التوصيات التي خرجت منها اللجان تحولت الى مجلس الوزراء لإقرارها بدل المجلس الاعلى للبترول حيث ستحول الى مؤسسة البترول الكويتية والشركات التابعة لها للقيام بتنفيذها.

وطالب اكبر المسؤولين بالنظر الى المتغيرات من حول الكويت في الاسواق النفطية، وان تكون هناك سياسة مختلفة عما هي عليه حاليا، والنظر الى كيفية رفع الانتاج النفطي، مشيرا الى ان هذا الدور مطالب به المجلس الاعلى للبترول الذي يجب الاسراع بتشكيله لان دور مؤسسة البترول تنفيذي.

وارجع اكبر سبب تأخر صدور مرسوم تشكيل المجلس الاعلى للبترول الى الاوضاع السياسية في الساحة المحلية غير الصحية بين مجلس الامة والحكومة، خاصة مع وجود مجموعة من الاستجوابات التي بدورها تعطل الحياة السياسية في البلد وتنعكس سلبا على مشاريع الدولة الحيوية.

مجلس أعلى للطاقة

من جهته، قال عضو المجلس الأعلى السابق موسى معرفي الذي ذكر في تصريح سابق لـ"الجريدة" ان المجلس الاعلى للبترول في 2009 تم نحره لان من يدير السياسة النفطية في غياب المجلس الاعلى للبترول هي مؤسسة البترول مع وزير النفط، ولكن في حدود سياسات سابقة تم الاتفاق عليها من قبل الاعلى للبترول، مشيرا الى انه لا توجد اي جهة يمكن ان تقوم بدور او تسد مكان المجلس الاعلى للبترول.

واوضح معرفي أن الكويت حاليا ليست في حاجة الى المجلس الاعلى للبترول اكثر ما هي في حاجة الى مجلس اعلى للطاقة، الان الكويت لديها مشاكل بالطاقة بشكل عام، حيث ان هناك كمية كبيرة من انتاج النفط تذهب الى تأمين الطاقة، في وقت نحن في حاجة الى الاستفادة من هذا الانتاج واستغلال عوائدة المالية، مشيرا الى ان الكويت توجهت نحو هذا الامر، عندما تم دمج وزارة النفط مع الكهرباء والماء بوزارة الطاقة، وأملنا خيرا بذلك، ولكن للاسف رجع الامر الى ما هو عليه بفصل الوزارتين.

مجلس الوزراء لا يمكنه رسم السياسة النفطية

أشار معرفي إلى ان رسم السياسة النفطية يحتاج إلى أشخاص متخصصين، ويصعب على مجلس الوزراء اخذ هذا الدور، مضيفا ان التشكيلات السابقة للمجلس الأعلى للبترول لم تكن موفقة، إذ من المفروض الاستعانة بالخبرات السابقة بالقطاع وليس الوزراء السابقين، مؤكدا ان الوضع الحالي للمشاريع الكبرى في القطاع النفطي مثل المصفاة الرابعة والوقود النظيف معطلة الى حين تشكيل المجلس الأعلى للبترول.

وأيد معرفي الرأي القائل بصدور مرسوم بإلغاء المجلس الأعلى للبترول، اذا كانت الحكومة غير مؤمنة فيه، ولكي لا تتعطل المشاريع النفطية، وهنا يصبح أمر السياسة النفطية إما بيد مؤسسة البترول أو مجلس الوزراء.

وضع الكويت في الصناعة النفطية حرج جداً

أكد د. علي أكبر أن وضع الكويت في الصناعة النفطية في هذه الأيام بات حرجا جدا، إذ ان مشروع المصفاة الرابعة "الجديدة" توقفت دون اي سبب، مع انه مشروع استراتيجي للكويت، وايضا ذو عوائد مالية جيدة، بعكس ما يدعيه البعض انه لا يأتي بعوائد مادية، وهو مهم وله علاقة بزيادة الإنتاج ومعالجة النفط الثقيل والى اليوم المشروع متوقف!

وأضاف أن الكل يتابع هذه الأيام الاتفاقيات التي توقعها الشركات الاجنبية الكبرى مع العراق لتطوير حقوله والاعلان عن نية وصولهم لإنتاج النفط بعد عامين الى 11 مليون برميل يوميا وكل ذلك له تبعات مستقبلية على السياسات النفطية واسعار البترول، موضحا انه رغم كل الظروف الصعبة التي يعانيها القطاع النفطي فهو في حاجة إلى عناصر بشرية تملك الخبرة في القطاع، وان وجدت هذه العناصر الآن فإنها في الايام القليلة سوف تتجه الى العراق.