خسائر العراق والعرب من تلاعب الدكتاتوريين الجُدد
من الرابح، ومن الخاسر من تلكؤ بعض السياسيين العراقيين، في تسليم السلطة للفائزين الأكثر حظاً، في الانتخابات التشريعية الأخيرة؟وهل سيشهد العراق المزيد من ضياع الوقت، وتعطيل مشاريع التنمية والإنماء والإعمار، وهو البلد الذي أشد ما يكون حاجة لمثل هذه المشاريع، بعد سنوات طويلة أهملت فيها العهود السابقة، مثل هذه المشاريع، والتفتت إلى بناء القصور الفخمة، وخوض حروب طويلة، ومهلكة، وخاسرة، ومجانية؟
مقتل الديمقراطية بدم باردوهل ستصبح أقوال بعض الزعماء السياسيين العراقيين واقعاً سياسياً أليماً، أم لغواً لا معنى له، كقولهم في فندق الرشيد ببغداد، وأمام زعماء عشيرة بني مالك: "أخذناها وبعد ما ننطيها"، و"الهاء" تعود هنا على السلطة، أو كرسي الحكم، أو رئاسة الوزراء، التي ظنَّ الدكتاتوريون الجُدد في العراق أنهم مخلدون فيها، وأنهم من القصر إلى القبر، كما كان يظنّ من قبلهم صدام حسين، الدكتاتور السابق.أو قولهم كذلك: "لا يستطيع أحد أن يأخذها حتى نعطيها" أو كما قيل في 2/3/2009: "نعطيها للشيطان ولا نعطيها لهم" و"هم"، تعني هنا من سيفوز في الانتخابات التشريعية القادمة 2010.إذن، رائحة الدكتاتورية الكريهة والنتنة، التي تفوح الآن من العراق، واضحة، وصريحة، وتزكم الأنوف، وتبعث على التقيؤ والقرف، وتقول للمؤمنين: اطلبوا الغوث، والرحمة من الله.من الخاسرون والرابحون؟الجواب عن السؤال السابق، هو بكل بساطة ووضوح، الشعب العراقي والوطن العراقي هو الخاسر، أما الرابحون فهم كُثرُ في داخل العراق، وخارجه، فأما في داخل العراق، فهم الدكتاتوريون الجُدد، الذين أقسموا قبل الانتخابات، وأنهم لن يسلِّموا السلطة لأحد! وتعهدوا أمام العشائر، وعناصر حزبهم، ألا أحد يستطيع نزع مُلكَهم منهم، وكنتُ أنتظر من هؤلاء، إعلان العراق دولة ملكية، وملوكها هم ملوك الطوائف الحالية، غير المتوجين، الذين يتناحرون على السلطة، تناحر الكواسر الجائعة على الفريسة.وأما الرابحون خارج العراق، فلا شك أنهم هؤلاء المستفيدون مادياً، وعسكرياً،ً وسياسياً، ونووياً، من "ضياع الطاسة"، وفوضى الحكم، والفراغ السياسي، في العراق، وانشغال العراقيين والأميركيين في التوفيق بين ملوك الطوائف العراقية، وإيجاد "صيغة حل" و "ترضية" تحول دون استيلاء الدكتاتوريين الجُدد على السلطة العراقية، وقَسَمُهم بأنهم سوف يعطون السلطة للشيطان، قبل أن يعطوها لصاحب الحق الدستوري والوطني.بعض الخسائر المنظورةلقد كانت، وستكون، خسارة الشعب العراقي كبيرة، تُضاف إلى جملة خسائره السابقة، من جراء هذا التلكؤ السياسي الذي يمارسه الدكتاتوريون الجُدد في العراق، ورفضهم تسليم السلطة لمن يستحقها، وتفضيلهم الشيطان (ومعروف هنا من هو الشيطان في هذه الحالة) على من يستحقها، وقد أجمل الزميل والأستاذ الباحث، والمحلل السياسي العراقي، غالب حسن الشابندر هذه الخسائر المنظورة في التالي: 1- مضاعفة تداعيات التجاذب الطائفي والعنصري.2- تقوية دور العشائرية أكثر، وترسيخ هذا الدور بشكل أعمق، مما يساهم في ازدياد فرص ومجالات تمزيق اللُحمة الوطنية، حيث يضطر الناس الى اللجوء أكثر لعشائرهم، لمعالجة مشاكلهم، وحماية حقوقهم، وفضِّ خصوماتهم. 3- حصول فراغ أمني، وقضائي، وإداري، وسوف يُضطر المواطن نتيجة لذلك، إلى اكتشاف البديل، الذي يُسيِّر له أمور حياته، وشؤون يومه، وهنا يبرز دور الطائفة، والعشيرة، بشكل واضح.4- ازدياد نزعة الانفصال القومي، والطائفي، فمن المعلوم أن العراق يعاني شبه انقسام إثني وطائفي، ولا شك أن غياب الحكومة، يُسبب مزيداً من شحن هذه النزعة، ويساعد على تبلورها.5- توسيع شقة الخلافات بين الكتل الفائزة، وهذا من شأنه أن يخلق خلافات جديدة داخل الائتلاف الواحد، وبالتالي، تتضاعف وتتزايد التناقضات بين الكيانات السياسية، وفي داخلها أيضاً، مما يوفر المزيد من فرص الفوضى السياسية، وما يمكن أن يلحق بذلك من فوضى أمنية، وإدارية، واقتصادية.6- سوف تتوافر فرص مواتية أكثر، للدول الإقليمية صاحبة المصلحة في العراق، وسوف تعمل هذه الدول على تقوية نفوذها داخل العراق، نتيجة للفراغ السياسي القائم.7- نشوء علاقة سلبية بين المواطنين العراقيين والكثير من صُنّاع القرار السياسي، خصوصاً المُتصدين للعملية السياسية مباشرة.خسائر أخرى مُحقَقةونضيف إلى هذه الخسائر التالي:1- تعطيل مشاريع التنمية والبناء والإعمار التي يحتاج العراق إليها الآن.2- زيادة نسبة الفساد المالي والإداري، فقبل مدة قصيرة أعلنت "هيئة النزاهة" العراقية عن ارتفاع نسبة الفساد المالي والإداري في عموم العراق رغم انخفاض أعمال العنف.3- زيادة أعمال الإرهاب، ودخول المزيد من قوافل الإرهابيين، حيث أصبح العراق بوابة من دون حارس، في ظل التنازع على السلطة، ونشوء فراغ سياسي، من غير المحتمل التغلب عليه قريباً، في ظل وجود الدكتاتورية الجديدة في العراق، التي تصرُّ على عدم تسليم الحكم، وعدم تداول السلطة، كما أعلنت أكثر من مرة، وفي أكثر من مناسبة.4- فقدان الشعب العراقي لأهمية الانتخابات وصناديق الاقتراع. فلقد ظن الشعب العراقي بإقباله المبارك والكثيف غير المسبوق على الاقتراع، بأنه هو صاحب القرار في تكوين السلطة، ولكن تلكؤ الدكتاتوريين الجُدد في تسليم السلطة، وتداول الحكم، أفقد هذا الشعب الثقة بصناديق الاقتراع. وفي ظني أن أي انتخابات قادمة في العراق، لن يكون فيها هذا الزخم الشعبي الذي شهدناه في الانتخابات السابقة في 2005، و2010.5- وأخيراً، وهو المهم، والمأسوف له جداً، هو فقدان الشعب العربي خارج العراق الأمل بإمكانية التغيير السياسي نحو الأفضل وتحقيق الحرية والديمقراطية، التي كان الشعب العربي يأمل باستنساخها من تجربة العراق الجديد بعد 2003. وبذا، لم يكن التلكؤ السياسي في تداول السلطة العراقية كارثة على العراق وحده، بل أصبح كارثة قومية عربية عامة.* كاتب أردني