الاخلاق والسياسة
الأخلاق كتعريف- كما خلصنا في مقالات سابقة- هي معرفة ما هو صحيح وما هو خطأ، والرغبة في اتباع الصحيح، ولا يمكن قياس أخلاقية– أو لا أخلاقية- تصرف ما إذا لم تتوافر معلومات حول معرفة ورغبة المتصرف.
وتبقى الأخلاق نسبية تتغير تاريخياً وتختلف حضارياً وظرفياً، فمثلا إذا ضبطت عاملاً في منزلك يسرق الطعام ليغذي أبناءه يحق لك مسامحته والتنازل عن حقك في ملاحقته قضائياً، ولكن وفي نفس الظروف إن ضبطته يسرق من رب عملك فلا حق لك في مسامحته لأن مسؤوليتك الأكبر والأهم هي تجاه الأمانة التي حمّلها إياك رب عملك، وغض بصرك عن السرقة في هذه الحالة عمل غير أخلاقي، وإن كان لأسباب إنسانية.أتذكر هذا المثال الكلاسيكي لمقاييس الأخلاق ونحن نعيش في أجواء استجواب رئيس مجلس الوزراء والتصويت حول التعاون من عدمه، ورغم أن الأخلاق والسياسة قلّما يلتقيان إلا أنه من الضروري عند اتخاذ الموقف السياسي الأخذ في الاعتبار الثمن الأخلاقي له وعواقب خلق سابقة تاريخية. تدوال الأموال أو المزايا بين أطراف أي من السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية) أمر غير قانوني وغير دستوري إذا كان الغرض منه التنفيع بأي صورة كانت لأنه رشوة بيّنة، أما إن لم يكن بنية التنفيع- فرغم عدم وضوح الحكم القانوني- فإنه غير أخلاقي لأنه يخلق شبهةً، والأولى بأصحاب المناصب الحساسة الابتعاد عن الشبهات لأنها تخلق سابقة وتفتح المجال للغير لتغطية الرشوة «بالنية الحسنة».لذا يبقى اقتراب قيادي من عملٍ مشبوه عملاً غير أخلاقي- رغم انتفاء شرط الرغبة- لأنه يعلم، أو يفترض أن يعلم، أن ذلك تصرف غير صحيح، ولأنه يجعل متابعة الرشوة وملاحقتها أصعب وأكثر تعقيداً بفتح باب النيّات في القرار، وهو أمر يستحيل قياسه.وهنا نأتي إلى مسؤولية نواب الأمة الأخلاقية (وليس السياسية)، فعلى الصعيد الشخصي يحق لهم مسامحة أو تقبل تصرف رئيس مجلس الوزراء، ولكن بصفتهم الاعتبارية كممثلين للسلطة الرقابية لا يجوز لهم أخلاقيا مسامحة أو تشجيع مثل هذا التصرف، وإن كان شائعاً، فمسؤوليتهم في النهاية للشعب والدستور وليس لأشخاصهم كما في المثال الذي ذكرناه أعلاه، وهذا يستدعي على الأقل عدم التصويت لمصلحة الرئيس وليس بالضرورة ضده، خصوصاً في عدم وضوح النية.ولكن لن يأتي التصويت على أساس أخلاقي مبدئي، ففي السياسة قلّما يكون هذا هو الميزان... سيكون هنالك حسابات ومفاوضات وتنازلات والخاسر الأكبر هو أخلاق الدولة.