عندما قرأت تلك الحزمة الثقيلة التي انهال بها مسلم البراك على رأس وزير الإعلام منذ أيام، حول المعايير التي استُنِد إليها في تعيين الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدر الرفاعي؟ وعن ماهية شهاداته الأكاديمية وإسهاماته في الشأن الثقافي قبل توليه المنصب؟ وإذا ما كان قد عرف يوما كاتبا أو شاعراً أو قاصاً أو روائيا أو ناقدا أو صحافياً أو إعلاميا أو سينمائيا أو فناناً تشكيليا؟ وكذلك عن الاعتبارات التي حكمت التجديد له في المنصب ليستمر ثماني سنوات متصلة؟ وعما إذا كان هناك توجه للتجديد له لفترة ثالثة؟ قلت في نفسي، أحمدك يا رب... أخيرا تحرك البعض من «أهل الثقافة والفنون والآداب» وبدؤوا بطرق الأبواب للتصدي لهذه المهزلة الكبرى!

Ad

لست من المحسوبين على دائرة هؤلاء، أعني أهل الثقافة والفنون والآداب، لا بشكل رسمي ولا بغيره، وكل أنشطتي البسيطة في هذا المجال هي من قبيل التطوع الشخصي الذي لا أتطلع إلى أكثر منه، إلا أنني وبحكم القرب من بعض أهل هذه الدائرة، أعرف وبالتفصيل الممل خلفيات تعيين بدر الرفاعي في هذا المنصب، ولا أجهل كيف تدهورت الثقافة والفنون ومعها الآداب، إن لم تكن قد انهارت كلية، في عهده الذي امتد لثماني سنوات عجاف، قد يحاق بنا فتلحق بها سنوات أربع أخرى، وأدرك تمام الإدراك أن بقايا الأنشطة التي نراها اليوم، سواء من مجلات أدبية وثقافية وفنية على ما فيها من ضعف وهزال، أو من فعاليات أو معارض ومهرجانات عجفاء مريضة، ما هي إلا البقية الباقية مما جرى غرسه في العصور الماضية على يد الأدباء والمثقفين والفنانين الحقيقيين، وذلك من قبل أن يطبق بدر الرفاعي على أنفاس أمانة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

وأعرف جيدا كيف تمت تصفية وإقصاء الكوادر الأدبية والثقافية والفنية الحقيقية واحدة تلو الأخرى، على كل الصعد، وإبعاد كل مستشاري التحرير من جميع إصدارات المجلس، مما أدى إلى تدهور مستواها وهز سمعتها في الأوساط الثقافية العربية، ناهيك عن تشويه سمعة الكويت بعدم تسديد اشتراكاتها المالية في المنظمات الدولية الفنية، والتهاون في التعاون مع الكثير من هذه المنظمات، بالإضافة إلى تحويل المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية الكويتية إلى مجرد احتفالات فارغة مسيئة لسمعة الكويت بوجه خاص وللفن بوجه عام بعدما تم إقصاء الكفاءات التي كانت تقودها وتشرف عليها!

ناهيك طبعا عن تلك الأقاويل الرائجة بشكل كبير في أوساط القريبين من المجلس الوطني بل خارجه، والتي لا أرغب حتى بمجرد التفكير فيها، حول تلك المنافع المالية والمكافآت التي تعود لرئيس المجلس، بحكم منصبه، وذلك بوصفه رئيسا لجميع لجان المجلس وجميع إصداراته وجميع وفوده، والتي لو جمعت فوق بعضها بعضاً لشكلت لوحدها ميزانية سنوية معتبرة لمركز ثقافي من طراز رفيع يمكنه أن يقدم الكثير!

لكن هذا المقال، وعلى كل ما جاء فيه، لا يسعى إلى التأجيج أو التهييج ضد بدر الرفاعي بذاته، فلا فائدة من البكاء على الحليب المسكوب، وحسبي أن أقول إن ما فات قد مات، وهنيئا للرفاعي ما جناه طوال السنوات الثماني السابقة، ولكننا اليوم نستحق أن يكون على رئاسة المجلس الوطني من هو أهل ذلك طالما أننا على أبواب ولاية جديدة خلال الشهرين القادمين تقريبا، وكثيرون هم الأدباء والمثقفون والفنانون المخلصون من أبناء الكويت، ممن يمتلكون القدرة على إدارة هذا الصرح الذي تم تدميره وتشويه صورته طوال الفترة الماضية.

راجيا ألا تكون أسئلة النائب البراك مجرد حزمة أخرى من الأسئلة ستضيع في زحمة قضاياه الكثيرة، وأن يكون هناك رعاية حقيقية منه لهذه القضية المهمة طالما أنه قد تصدى لها.