القيادات الشابة... سر الإمارات!

نشر في 22-11-2009
آخر تحديث 22-11-2009 | 00:00
 خلف الحربي ما أكثر الدول العربية تطوراً وأشدها قرباً من العالم المتقدم؟! بالطبع سيختار الناس إجابات مختلفة عن هذا السؤال بحسب مفهومهم للتقدم، وقد يترك بعضهم مكان الإجابة فارغاً لعدم قدرته على تحديد بلد معين، ولكنني لو واجهت مثل هذا السؤال في يوم من الأيام، فإنني لا أعرف بلداً عربياً أكثر تقدماً من دولة الإمارات العربية المتحدة، وستكون مبررات اختياري لهذا البلد عائدة لكونه يمتلك بنية تحتية مثالية بدءاً من الرصيف الذي يلمع لفرط نظافته وانتهاءً بالموانئ والمطارات ذات الشهرة العالمية، ولأنه أيضاً يملك إدارات حكومية قادرة على إنجاز معاملات المواطنين والمقيمين في وقت قياسي بالاعتماد على تقنيات العصر الحديث وابتسامة الموظف الذي يحب عمله، ولأنه عُرف بأجهزته الأمنية العالية الكفاءة التي تتميز بقدرتها على ضبط تعايش الخليط البشري العجيب الذي يشكل التركيبة السكانية دون حاجة إلى أن توجد هذه الأجهزة بشكل مكثف في الشارع.

في مدن الإمارات تختنق الشوارع بفعل زحام السيارات، ولكن من النادر أن يجرؤ أحد على مخالفة النظام المروري كما لا يجد السائقون وقتاً لتبادل الشتائم، بعكس ما يحدث في شوارع القاهرة وبيروت والرياض، حيث يشارك جميع السائقين في الفوضى الخلاقة إلى درجة يصبح فيها السائق الملتزم بأنظمة المرور عنصراً معطلاً، لأنه يعمل ضد المنطق الذي يسود الطريق!

أما الوافدون والسياح والتجار الأجانب في الإمارات، فإنهم يعرفون حقيقتين أساسيتين: الأولى أنهم شركاء في عملية التنمية وليسوا غرباء هامشيين، والثانية أنهم محكومون بنظام قانوني صارم لا يمكن أن يتساهل مع أبسط تجاوز للقانون حتى لو كان تدخين سيجارة في سيارة التاكسي، ومن الأسباب الأساسية التي تدفعهم للالتزام بهذه القوانين شعورهم أن هذه الإجراءات الصارمة تطبق على المواطنين مثلما تطبق عليهم.

أنا لا أقول إن الإمارات دولة مثالية، فهي بالطبع لا تخلو من المشاكل والعيوب والأخطاء، مثلها مثل سائر بلدان العالم، ولكنها بالتأكيد مختلفة عن محيطها العربي، سواء من حيث قدراتها التنموية الهائلة، أو من حيث رغبتها الواضحة في مكافحة البيروقراطية، وخلال العقود الأربعة التي تمثل عمر الدولة تحولت الإمارات إلى: قوة اقتصادية لا يستهان بها وواجهة سياحية عالمية، ومركز ثقافي وإعلامي وأكاديمي تتصاعد درجة تأثيره يوماً بعد يوم، فهل حدث ذلك بفضل أموال النفط فقط؟!

لاشك أن الثروة النفطية كان لها أثر فعال في اختصار زمن المسيرة التنموية المذهلة والخروج من حالة البداوة إلى قلب عصر العولمة، ولكن الإمارات ليست الدولة النفطية الوحيدة في عالمنا العربي! لذلك، فإن تطور الإمارات اللافت لا يعود فقط إلى الاستفادة من العائدات النفطية فحسب، بل ثمة عوامل كثيرة أيضاً كان لها أثرها الواضح في قصة النجاح الإماراتية، من أبرزها فلسفة منح الثقة للعديد من الشبان المؤهلين كي يضطلعوا بقيادة المؤسسات الحيوية والاقتصادية الكبرى، ولو استعرضنا قائمة كبار الموظفين في الإمارات لوجدنا أن القيادات الوطنية الشابة حاضرة بقوة في الموانئ والمطارات العملاقة، وفي المؤسسات الإعلامية والثقافية، وفي الشركات العابرة للحدود، وفي الإدارات الحكومية وقيادات الأجهزة الأمنية، ومن الواضح أن هذه القيادات الشابة تمتلك رغبة جامحة في تحقيق أحلام الغد قبل أن تغرب شمس اليوم.

من السهل أن نعزو القفزات التنموية التي حققتها الإمارات إلى سهولة اتخاذ القرار في بلد تغيب عنه الصراعات السياسية الطاحنة ولا يواجه قادته حسابات اجتماعية معقدة بسبب قلة عدد السكان، ولكن مثل هذا التبرير مضحك للغاية لأن جميع الدول العربية دون استثناء هي بلدان قرار أوحد، والفارق الوحيد بينها يكمن في سيناريو صدور هذا القرار!

روح الشباب الوثابة هي سر القدرة الإماراتية على تخطي عوائق الزمان والمكان في الوقت الذي تتحرك فيه أغلب الدول العربية ببطء شديد بسبب شيخوخة المسؤولين!

* كاتب سعودي

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top