احتضن المجلس الأعلى للثقافة خلال الأسبوع الأول من الشهر الجاري «مؤتمر القاهرة الدولي الأول للقصة العربية القصيرة»، حاملاً اسم القصاص المصري الراحل «يحيى الطاهر عبدالله». وربما كان أحد أهم الأسباب التي دعت إلى عقد هذا المؤتمر، هو تواري فن القصة القصيرة خلال العقدين الماضيين، وبروز جنس الرواية، بوصفه الأدب الأكثر حضوراً وتداولاً بين جمهور القراءة. ولقد جاء في كلمة القاص زكريا تامر، الفائز بجائزة الملتقى: «لم أكتب إلا قصة قصيرة ولا أنوي غير كتابة قصة قصيرة، وعندما يسألني أحدهم: لماذا لا تكتب رواية؟ أدهش وأراه كمن يسأل صانع الخبز لماذا لا تزرع ورداً؟ ومن المؤكد أن استمراري في كتابة القصة القصيرة، لا يعني موقفا معاديا للأجناس الأدبية الأخرى، بل لأن القصة القصيرة لاتزال بالنسبة إليّ شكلاً فنياً قادراً على التعبير عما أريد. لا أعتقد أن القصة في الوطن العربي في أزمة، فهي ليست موضة تستنفد لتحل محلها موضة أخرى، كل الأدب في الوطن العربي مهمل منبوذ وضيف غير مرحب به في وسائل الإعلام وليست القصة القصيرة وحدها».

Ad

لقد احتلت المقارنة بين القصة القصيرة والرواية حيزاً كبيراً من نقاشات المؤتمر، وكانت المقولة التي أطلقها الدكتور جابر عصفور إننا نعيش «زمن الرواية» حاضرة في معظم هذه النقاشات، ولو أنني أرى عدم جواز مقارنة جنس أدبي بآخر، فلكل جنس شروطه وخصائصه وجمالياته، وإذا كان البعض يرى، في وقتنا الراهن، تسيداً للرواية على المشهد الثقافي العالمي وبالتالي العربي، فإن فن القصة القصيرة يبقى بشهادة كبار النقاد العالميين، هو الفن الأصعب، وربما الأجمل.

إن جنون دوران عجلة العصر الذي نحيا، في مجتمعات استهلاكية شرهة ومتوحشة، يدفع إلى مزيد من الفردية والأنانية، ويراكم هاجس القلق والخوف الذي يصاحب الإنسان في كل خطوة. هذا الوضع الاجتماعي المعقد، يجعل الإنسان يعيش لحظته موزعاً وراكضاً، مشتكياً من ضيق الوقت، ومن الفراغ الروحي الذي يؤلمه، الأمر الذي دفع به إلى أن يلجأ إلى الرواية، كونها تشركه في أحداثها وتتيح له فرصة مشاركة حيوات شخوصها، وبما يضيف حياة غنية لحياته، ويقدم له عزاء عن هروب لحظة واقعه اليومي من بين أصابعه.

إن جنس القصة القصيرة قادر بامتياز على تمثل لحظة العصر، وموازاتها والتقاطع معها ومخاطبتها في مختلف دلالاتها، لكنه يقدم كل هذا في لقطة مكثفة ومشحونة، وبما يثير التساؤل، ويستلزم قدراً من التوقف والتأمل للوصول إلى مغزى القصة، خلافاً لجنس الرواية الذي يبسط أمام القارئ حياة ممتدة سائرة، وبما يتيح له فرصة لصعود قطارها، والتوهم بوجوده ضمن ركابها.

أظن، أن انحسار فن القصة القصيرة يرجع إلى أسباب كثيرة، يأتي على رأسها صعوبة هذا الفن، وطبيعة العصر الاستهلاكي الذي نحيا، وانشغال الناشر بالربح، وحاجة القارئ إلى مؤشر أدبي سهل يضيء جوانب حياته المعتمة.

منْ يقرأ تاريخ حياة القاص زكريا تامر، الذي يُعد أحد أهم كتّاب القصة القصيرة في العالم العربي، ووجها من وجوه كتّاب القصة في العالم، وكيف أنه تخرج في مدرسة الحياة، وجاب دروبها الوعرة وخاض في طينها، يدرك الدلالات الكبيرة والساحرة التي تحملها قصصه، ويدرك أيضا أي مقارنة واضحة قصدها، في كلمته، حين أشار إلى كاتب القصة كخباز، وهل يستغني إنسان عن خبز؟