ولدت الكاتبة البلجيكية أميلي نوتومب Amelie Nothomb عام 1967، في اليابان، وعاشت حتى سن الخامسة. وقُدر لها بحكم عمل والدها الدبلوماسي، التنقل بين اليابان والصين ونيويورك وجنوب شرق آسيا ودول ومدن أخرى، ولأنها تحمل بذرة موهبة الكتابة، فقد التقطت ذاكرتها صوراً فوتوغرافية، ومشاهد كثيرة من الأماكن والأحداث التي مرت بها، واختزنت ذاكرة الطفلة تلك العوالم، لتعيد فرزها لاحقاً على شكل روايات ذات نفس عالمي.

Ad

عادت أميلي إلى بلجيكا وهي في سن السابعة عشرة، وتخصصت في دراسة اللغات اليونانية اللاتينية، ولكن شيئاً ما ظل يمور في نفسها، لحين ولادة روايتها الأولى «نظافة قاتل -The hygiene of the assassin» عام 1992، التي لفتت الأنظار إليها، ولاقت نجاحاً كبيراً بين جمهور القراء، لتكون عتبتها الأولى في سلم نجاحاتها في كتابة رواية عصرية، تتصف بالطرح الإنساني المعمق، واللغة السهلة المباشرة، وقدرتها على تصوير مشاهد السخرية المرة في الحياة الإنسانية. سرٌ ما ظل على الدوام يجذب أميلي لمسقط رأسها، يومئ لها على البعد فتستجيب له كما المُنَومَة. عادت إلى اليابان بعد تخرجها في الجامعة، لتعيش فترة هناك، وتسطر روايتها «ذهول وارتجاف -Fear and Trembling» عام 1999. وفيها أوضحت تباين ثقافات الشرق والغرب، وذلك عبر انضمام فتاة غربية إلى العمل في إحدى الشركات اليابانية، وانكشاف الفتاة على عوالم وعادات غريبة، تشكل جوهر فهم الإنسان الياباني وتقديره للعمل والنظام والسلطة والحياة. ولقد حازت رواية «ذهول وارتجاف» الجائزة الكبرى للأكاديمية الفرنسية، مما صعد عالياً باسم أميلي، وكان حافزاً لشركات إنتاج سينمائية لاقتباس موضوع الرواية عام 2003، وتقديمه كفيلم سينمائي.

منذ روايتها «ذهول وارتجاف» اعتادت أميلي نوتومب إصدار رواية في كل عام، ومن أهم رواياتها: «ما قبل كريستا»، عام 2003، «السيرة الذاتية للجوع»، عام 2004، «حامض كبريتي»، عام 2005، «مذكرات سنونو»، عام 2006، «لا من حواء ولا من آدم»، 2007. وإذا كان القارئ الفرنسي والعالمي صار ينتظر روايات أميلي عاماً بعد عام، فإن ذلك كرسها روائية شابة ذات نفس عالمي إنساني، تعتمد على التجديد من جهة، وعلى تأرجحها بين الواقعية والخيال، ويحسب لها عمق الطرح، وقدرتها اللافتة على تصوير المشاعر الإنسانية بصدق آسر، وبلغة وتعابير لغوية تتسم بالابتكار.

إن اطلاعاً على الطريقة التي كتبت بها أميلي روايتها «رهبة وارتجاف» يظهر استخدامها للراوية، التي تتكلم بصيغة ضمير المتكلم، مما خلق جواً من الألفة بين القارئ والنص، لكن ما يؤخذ على أميلي، وعدد كبير من كتّاب الرواية العالميين والعرب، عدم التفاتهم إلى عنصر زمن القص، وعلاقته بأزمنة الحكاية. فالراوية، بطلة الرواية، تقصّ على القارئ تجربتها في العمل في الشركة، والمواقف المحرجة التي تعرضت لها، لكن دون أن يعرف القارئ مكان وجودها أثناء قيامها بمهمة القص، وكذلك دون تحديد زمن القص ومدته، وارتباطه بزمن الحكاية. كررت مراراً في كتاباتي في أكثر من جريدة ومجلة عربية، مقولة «الرواية حياة مجاورة لحياة الواقع»، ولأن لا حياة دون مكان وزمان، فإن الكتابة بصيغة الراوي تبقى معلقة بالهواء وناقصة، ما دامت بعيدة عن توضيح علاقة الراوي بالحكاية من جهة، وعلاقة زمن القص ومكانه بأزمان وأمكنة الحكاية من جهة ثانية.