صبر الصوابر!!
بكل المقاييس كانت العناية الإلهية عنواناً للكارثة التي ألمت بمجمع الصوابر السكني، إذ لم تقع خسائر بشرية من شأنها أن تغرق الكويت برمتها في بحر من الأحزان، وبالتأكيد فإن الدمار الذي لحق بعدد من الشقق يمكن جبره خصوصا في ظل الرعاية الأميرية السامية السريعة التي أمر بها صاحب السمو الأمير.ولكن قصة الصوابر أكثر ألماً وغصة من الحريق الذي شب في قطاع كامل من هذا المجمع الذي جمع أسوأ القرارات الإسكانية وأتعسها، والتي شوهت فلسفة الرعاية السكنية في جذب الأسر الكويتية لنماذج الشقق الناجحة في الكثير من المدن المتحضرة.
فطبيعة البناء في هذا المجمع هي نسخة من النموذج الشيوعي الذي يحرص على زج المواطنين في سجون كبيرة بغية السيطرة الأمنية، ومصنوعة من الخرسانة المسلحة دون طعم أو ذوق معماريين.وكانت الأسر التي ارتضت بمثل هذه المساكن ضحية المؤامرات المستقبلية التي تفنن فيها أصحاب النفوذ، حيث اضطر العديد من هذه الأسر إلى بيع شققهم بأثمان زهيدة نتيجة لانعدام خدمات الصيانة والإهمال من قبل أجهزة الدولة، وتحولت بالتدريج إلى مرتع للعزاب والسكن الجماعي لبعض الجاليات، وتبع ذلك ظواهر مجتمعية غاية في الخطورة مثل الدعارة والمخدرات وتجارة الإقامات.ثم جاءت الوعود الحكومية المتكررة بحل هذه المشكلة عبر التثمين أو تحويل هذه البقعة الشاذة وسط العاصمة التجارية إلى قطاع استثماري أو تجاري أو تعويض الأسر الكويتية بقسائم جديدة أو بيوت تعويضية، فقط لخدمة المستثمرين في هذا المجمع وارتفاع أسعار التشقق في البيع والإيجار، ولكن دون مستوى أن تكون تلك الأسعار كفيلة بقدرة الأسر الكويتية على شراء مساكن بديلة، وعلى أمل هذا الانتظار الكاذب تحملت تلك العوائل الأمرين وضربت مثالاً في الصبر على مختلف أشكال البلوى والأخطار الاجتماعية والأمنية ولكن دون جدوى.ومع مرور الوقت تحولت تلك الشقق إلى مصدر رعب دائم حتى في سلامة المنشأ خصوصاً مع تكرار حوادث مثل حالات سقوط المصاعد وتفتت الجسور الخرسانية وحوادث الحريق المتكررة، حتى كانت حادثة الاثنين الأسود. وطوال الفترة السابقة بذلت الكثير من الجهود والمساعي بقيادة أهالي هذا المجمع وأعضاء مجلس الأمة، وكذلك من قبل وسائل الإعلام لإنهاء هذه المعاناة، ولكن دون أي نوع من الاهتمام الحكومي، بل إنه تم ترتيب عدة زيارات ميدانية للموقع لوزراء الدولة والبلدية والإسكان المتعاقبين للإحساس بالأوضاع المأساوية كهذه القلعة المقفرة، وحينها تحدينا أن يصمد أي وزير بمعية أسرته في السكن بإحدى شقق الصوابر ولو لأسبوع من الزمن ولم يجد ذلك أيضاً في تحريك روح المسؤولية لدى الحكومة.والأهم من ذلك فقد سبق أن حذرنا مراراً من احتمال وقوع حريق هائل الاشتعال ولم ينفع ذلك أيضاً حتى وقعت المأساة.وأمام هذه الصور القبيحة للوضع السيئ والخطر لا يوجد اليوم أي بديل آخر سوى قيام الحكومة باستملاك هذه الشقق وتعويض أهاليها بمبالغ تمكنهم من إيجاد سكن لائق ومناسب، يكفي بقاء شريحة من المواطنين وزوجاتهم وأطفالهم في حقل تجارب مرعب في أسوأ وأفشل مشروع سكني في الدولة، حتى لا نصدم جميعاً بفاجعة غير محتملة مثل نشوب حريق هائل آخر ولكن هذه المرة خلال ظلام الليل والناس نيام!! كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة