بين الحصار والجدار... أمة تنهار وشعب يحتار
لو افترضنا أن الحصار الذي تعانيه غزة هو الجلطة التي أصيبت بها منذ أكثر من سنتين، فإن الأنفاق هي الشرايين الجانبية التي تحافظ على وجودها وتبقيها على قيد الحياة، والحل الوحيد للقضاء على الأنفاق هو (إذابة الجلطة) رفع الحصار وفتح المعابر الرئيسة لتستعيد غزة حيويتها، وتختفي الأنفاق تدريجياً.في عالم الطب عندما يحدث انسداد أو جلطة في أحد شرايين الجسم تبدأ الشرايين الجانبية بتغذية الجزء المصاب الذي حُرم من وصول الدم- نتيجة الجلطة- للإبقاء عليه حياً، فإذا ما أذيبت الجلطة سريعاً يعود الشريان الرئيسي للعمل مرة أخرى، وتعود الشرايين الجانبية إلى حالتها الأولى مع احتفاظها بقدرتها على العمل في حال حدوث جلطة أخرى لا قدّر الله.
بالتعبير السياسي لو افترضنا أن الحصار الذي تعانيه غزة هو الجلطة التي أصيبت بها منذ أكثر من سنتين، فإن الأنفاق هي الشرايين الجانبية التي تحافظ على وجودها وتبقيها على قيد الحياة، والحل الوحيد للقضاء على الأنفاق هو (إذابة الجلطة) رفع الحصار وفتح المعابر الرئيسة لتستعيد غزة حيويتها، وتختفي الأنفاق تدريجيا، أو تعود كما كانت قبل الحصار مجرد أنفاق قليلة، فتتمكن مصر من السيطرة وفرض سيادتها كاملة عليها، ولا حاجة عندئذ لجدار فولاذي أو غيره، ولا يمكن الادعاء بعدم قدرة مصر على ذلك، فالأجهزة الأمنية التي تسيطر على 80 مليوناً تستطيع بسهولة السيطرة على عدة أنفاق قليلة. إن «حدوتة» الجدار الفولاذي وانقسام الآراء حوله هي مسؤولية مصر بالدرجة الأولى، فالنظام المصري هو المسؤول عن كل هذا اللغط والقيل والقال، فقد أنكر تماما في البداية وجوده، ثم اعترف ببنائه وادعى أنه لحماية مصر من المخدرات!! وفي النهاية رفض النقاش حوله معتبراً بناءه من أعمال السيادة التي لا يحق لأحد الحديث عنها، وكأن السيادة المصرية أصبحت اختيارية على هوى الحزب الحاكم يستخدمها عندما يشاء ويغض الطرف عنها عندما يريد، وإلا أين كانت سيادة مصر يوم منعت من وجود قوات عسكرية لها في سيناء (كامب ديفيد)؟ وأين كانت يوم اشترط وجود مراقبين لمراقبة حدودها (اتفاقية المعابر)؟ بل أين كانت يوم قُتل جنود الأمن المركزي؟ بالله عليكم لا داعي لمثل هذا الحديث المستفز، فسيادة مصر لن تتأثر بتهريب طعام ودواء للمحاصرين، كما أنها لن تثبت وتزيد بمنع «شريان الحياة» من الدخول من نويبع والعريش!! ولا داعي لمثل هذا الكلام الذي لا يقنع طفلا صغيرا. إذا كان الأمر كذلك... فلماذا كل هذا الصخب والضجيج؟ الأمر ببساطة أن النظام في مصر يحاول أن يمسك العصا من النصف، فهو يحاول الضغط على «حماس» بقوة وشراسة، ويسعى إلى استمرار الحصار حول غزة من أجل عباس، أو لمصلحة القضية– كما يدعي- وفي نفس الوقت يعلم أن موقفه يثير غضب الشارعين المصري والعربي، ولا يستطيع السير وفق هوى المواطن وشعوره، لأنه ملزم باتفاقيات إسرائيلية ومعاهدات دولية ومساعدات أميركية، أي أنه بصراحة «مش عارف يعمل إيه»؟! وبالتالي فهو يوجه أجهزة إعلامه تارة تجاه مهاجمة «حماس» وإظهارها بمظهر المعتدي على السيادة المصرية، وتارة يستجيب لضغوط المنظمات الإنسانية الدولية لساعات، ثم يتراجع خوفا من الغضب الأميركي الإسرائيلي مع ترديد النغمة المكررة حول التضحيات المصرية تجاه فلسطين، وهي نغمة مرفوضة شعبيا، فالشعب المصري لا يقبل أن يمن عليه أحد ولا يرضى أن يمن على غيره، ولا أحد يدري ماذا يريد النظام من وراء ذلك: هل يريد ثمن التضحيات المصرية وممّن؟ ولمن؟ أم يريد تبرير موقفه المتخاذل؟ أم الخروج من المأزق الذي وضع نفسه فيه؟ لا أحد يدري ماذا يريد النظام من وراء كل ذلك؟ *** • في كل الأحوال يجب ألا يفهم المقال على أنه موافقة على ما حدث في ميناء العريش، أو قبول باغتيال الجندي المصري، فالقضية مختلفة تماما والمطالبة بالقبض على قاتل الجندي ومحاكمته أيا كان موقعه داخل «حماس» أو خارجها أمر لا جدال فيه، ويجب أن يسعى النظام وراءه بدلا من الحديث المكرر حول التضحيات المصرية. • مشكلة «البدون» أصبحت لا تحتاج إلى خبير سياسي ولا فقيه دستوري، ولكنها أصبحت في حاجة إلى طبيب نفسي لمعرفة سر هذا الخوف من مناقشة المشكلة، فالهروب من المناقشة يعني وجود شيء يخشاه المتهربون، وإذا كانت السلطة التشريعية تخشى التنفيذية والسلطة التنفيذية تخاف من التشريعية فما الذي تخشاه الاثنتان معاً؟! كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة