الشايع: الأصل في السينوغرافيا المخرج لا «الديكوريست»

نشر في 09-03-2010 | 00:01
آخر تحديث 09-03-2010 | 00:01
«دماء بلا ثمن» تحمل فرجة وإيقاعاً سليماً
يتمتع د. شايع الشايع بسجل فني زاخر، فهو مخرج وأستاذ مادة التمثيل والإخراج المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية، كما ان له تجارب عريقة مع لجان التحكيم، وساهم في تخريج عدد من طلبة التمثيل البارزين، يتحدث إلى "الجريدة" عن تجربته مع مسرحية "دماء بلا ثمن"، والعديد من القضايا الفنية الأخرى. 

 ما الأسباب التي دعتك إلى التستر وراء اسم مستعار هو SS كمشرف عام على مسرحية "دماء بلا ثمن" لفرقة مسرح الشباب؟

لأنني أسير على مبدأ أريد أن أرسخه في كل حركاتي المسرحية، وخصوصاً في المشاركات الفنية، أي مشاركة فعلية بعيداً عن التحكيم والتدريس، فعندما أكون لاعباً أحب أن أضيف شيئاً جديداً، وأتصور أن ما قدم كان جديداً، فتدخل المسرحية بتجرد كامل وبأسمائها الشبابية الجميلة التي قدمت العرض، ويحاسبون بكل حيادية وشفافية بعيداً عن وجود ثقل يقف من ورائهم هو الدكتور الفلاني، كي لا يحدث نوعاً من المجاملة في لجنة التحكيم المبنية على السمعة، ولله الحمد وفقنا وحصلنا على سبع جوائز، بينها الكبرى (أفضل عرض متكامل)، وهذا مدعاة سعادة، ويعني أن ما قمت به صحيح.

هناك اتهام بأن المسرحية كلها مأخوذة من فيلم سينمائي اسمهSWEENEY TODD للنجم جوني ديب؟

 إذا كان هناك من يستطيع تحويل عمل سينمائي إلى مسرحي، مع وضع كلمة اقتباس، وتحويل هذه المشاهد المصورة من خلال آلات إلى مشاهد حية على خشبة المسرح، وتحمل الفرجة بقواعدها المرسل والمتلقي، أهلاً وسهلاً به وليدل بدلوه. فنحن نحكم على الفعل المسرحي والرؤية الموحدة لكل عناصر العرض المسرحي، إذا وفق المخرج في ذلك إضافة إلى الإيقاع إذن هو عمل مسرحي، فكل الاعمال المسرحية من الموروث الشعبي قدمت في السينما، وهي في الأصل مسرح، ابتداء من غلادييتر وعُطيل وأوديب ملكاً، فالمصدر هو المسرح، وما قدمناه هو عمل مسرحي يحتوي على ممثلين لا يوجد بينهم الوسيط، وهي عدسة السينما، لكن الوسيط هو العيون والمتعة والفرجة البصرية، وهو متوافر في العرض مع الإيقاع السليم، لذا فاز العرض بهذا الكم من الجوائز، وهذا مبرر قوي لإخفاء اسمي تحت SS.

 العمل لم تتخلله هفوات، فهل تؤيد أو ترفض إعطاء فرصة يومين لإقامة البروفة النهائية على مسرح المسابقة؟

 هو للتجويد أجمل، لكن هذا ليست له علاقة، وتبرير غير سليم بأن يكون للشخص هفوات في يوم العرض، لأنه لم يأخذ المسرح قبله بأيام، فالمسألة تعتمد على ماذا فعلت طوال أيام البروفات؟ هل كنت جاداً في طرحك والتدريب والالتزام بالوقت، وان تعمل مسرحية تليق بالتنافس؟ أم كانت المسائل مأخوذة على عواهنها! وبالتالي من الطبيعي أن تحصل الهفوات، وما شاهده الجمهور في عرض "دماء بلا ثمن" هو ذات البروفة قبل أسبوعين من العرض التي لم يتغير فيها شيء، وذلك لا يعني عدم وجود بعض القلق والتوتر والارتباك من الممثل، لأن هذا أمر إيجابي ومفروغ منه، لكن لا يمكن أن تكون هناك هفوات في التمرين.

ما الفرق بين المشرف العام والمخرج في المسرحية؟

 المخرج هو الذي يرى بعينه ومخيلته، ولكنه يحتاج- مجازا- إلى عدسات لتصحح وتصوب له الخطأ في الرؤية، ودور المشرف ليس أن يخرج ويؤلف ويضع موسيقى أو يحرك الممثل للمخرج، ولكن دوره الرئيسي هو ملاحظة ومراقبة الأخطاء وتوازن العمل، فعلاقته مباشرة مع المخرج فقط لتعليمه مواضع الخلل والقصور عنده، وهذا طبيعي إذا ما كان المخرج صغيراً في العمر مثل الفنان الجميل علي العلي، وهو أحد طلبتي وأشرفت على تخرجه في المعهد العالي للفنون المسرحية، وقبلت أن أشرف عليه لأنني أعرف أنه طاقة جيدة في حاجة إلى رعاية، وصحيح أنه في بداية الطريق لكنه يسلك الخطوات السليمة، وأتفاءل به خيراً لأنه ابن بار، وهو من أخرج العمل من الألف إلى الياء، ودوري اقتصر فقط على ضبط القياسات الدرامية، وتصويب الرؤية، وتجويد الايقاع والأداء كي يكون العرض متماسكاً.

هناك تعريفات مختلفة لـ "السينوغرافيا"، سواء من الأكاديميين أو غيرهم، فأين الصواب؟

كلامك صحيح، أنا استمع في الكثير من الأحيان في إذاعة دولة الكويت وغيرها من الإذاعات، إلى موضوعات تعنى بالسينوغرافيا، وأتصور أن الموضوع سهل جدا، لكنهم دائماً يحبذون تعقيد الأشياء، فنحن نرجع الأشياء إلى أصولها، فكلمة سينوغرافيا Scenography بمعناها الحرفي صورة المشهد، فكلمة scene معناها مشهد وgraph صورة، وبالتالي هذه الكلمة لاتينية بحتة مثل مفردة جغرافيا، وهي صورة الأرض، وسينوغرافيا المسرح تحتاج إلى شخص متخصص في فن المسرح القائم على النص والممثل، فالمسرح يعني فعل، والقائم بالفعل هو الممثل، ومن يدير هذا الفعل هو المخرج، أما إذا كان القصد من السينوغرافيا هو الديكور وارجاع صاحب الأصل "الديكوريست"، فهذا الكلام مغلوط جملة وتفصيلا، لأن الديكوريست لا يمتلك فن تحريك مفردات العرض المسرحي من ممثل وحركة وتكوين أدائي وصوتي، من خلال الإضاءة والمؤثر وحركة الممثل وغيرها، مصمم الديكور ينتهي دوره عندما يتفق مع المخرج على رؤية موحدة، وبالتالي يذهب ليقوم بهذه الرؤية حتى تكون جاهزة في يوم العرض، والمخرج طوال الفترة السابقة بعد الاتفاق يشتغل الحركة والفعل المبنية على الصورة المرسومة بينها وبين السينوغرافيا، إذن الأصل في السينوغرافيا هو المخرج، لأنه من يحرك الفعل ويظهره، لذلك ليست للديكوريست علاقة بالمناطق المسرحية والمسطحات والخطوط في ما يخص الممثل، لأن الممثل في المسرح هو الباعث للحركة أو الخط المرسوم المرسل من قبل الشخصية، فالحركة النفسانية للشخصية هي التي تدل على الحركة، ولها خط محسوب، وهذا علم آخر يدخل في السيميولوجيا القائمة على الرمز والدلالة والايقونة والمؤشر، هناك مدارس كثيرة تختلف في الطرح والبناء الدراميين، لكنها لا تختلف في تعريف السينوغرافيا، فالمخرج هو صاحب الرؤية الرئيسية وسيد العمل، ويحول الأدب إلى فن، وهذا الفن لا يستطيع أن يقوم به إلا مخرج متعدد الثقافات، يحتوي في داخله على مصمم ديكور وموسيقار ودراماتورجي وممثل يعلم تماما أدواته من نفس ومخارج صوت وإلقاء والتشكيل والحفظ والتأكيد والتكوين، كل هذا يجب أن يعيه المخرج حتى يستطيع أن يدير هذه اللعبة التي يقوم بها الممثل على خشبة المسرح، ويساعد بها بقية عناصر العرض.

حكّمت في ثلاثة مهرجانات مسرحية محلية ومهرجان أيام الشارقة المسرحية، فهل المحكم يكون مختلفاً في قراراته من مهرجان لآخر؟

وجدت بعد تجاربي في لجان التحكيم أن لكل مهرجان جوا يسوده، وهذا يكون في أحيان إيجابيا وفي أحيان أخرى سلبيا، لكن على المحكم الجاد والفنان الحقيقي في جميع الأجواء ألا يجامل في الهفوات، لذا في جميع المهرجانات التي خضتها كمحكم بأجوائها الصحية والسيئة كنت في الحالتين صارماً وحازماً وجازماً في شرح رؤيتي واصدار حكمي، وإذا كانت الأجواء أعلى مني "فما باليد حيلة"، فعضو لجنة التحكيم ليس منفرداً لأن القرار جماعي، وأحيانا تتكالب عليك الأمور عندما يكون حكمك صحيحاً، لكن ثمة أعضاء ضدك، فأمامك أحد أمرين إما أن تنسحب من المهرجان، وهذا ليس جميلاً في حق أي أحد لأنك ستسيء إلى الاحتفالية بشكل عام، أو تقدم ضميرك وتثبت ذلك في محضر الاجتماع لتبرئة ساحتك، ولله الحمد كنت محكماً بضميري وعلمي في كل المهرجانات.

 ما رأيك في من يقول إنه غيّر في شكل ومضمون المسرح؟

المسرح هو الوسيلة الوحيدة للتعبير الجماعي في العالم، وله قواعد واصول درامية لا يمكن أن يحيد عنها أحد طوال ثلاثة آلاف سنة، ولم يتغير الشكل والمضمون المسرحي إلا في خمس مراحل، والبقية كانت عبارة عن نقلات للوصول إلى ما نحن عليه اليوم من سوفوكليس وعربة ثسبس وايسخولوس والاسماء الإغريقية الرنانة، وإلى كورنيه وشكسبير وموليير وبريخت وبيكيت، مراحل يمر بها المسرح يستطيعون أن يغيروا في بعض الأشياء في النص والشكل، لكن ليس بمقدورهم إلغاء الشكل والمضمون اللذين يعتبران من القواعد الراسخة في المسرح.

back to top