رفعت القيادات السياسية المنتمية الى قوى 8 آذار والمتحالفة مع سورية شعار ضرورة ألا تكون الذكرى السنوية الخامسة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري "فئوية"، تقتصر المشاركة فيها على قوى 14 آذار، وطالبت بأن تسمح صيغة إحياء المناسبة بمشاركة كل القيادات والشخصيات السياسية من خارج قوى 14 آذار، بحيث تتحول الذكرى إلى "مناسبة وطنية جامعة" على اعتبار أن رفيق الحريري كان لكل اللبنانيين، لا لفئة معينة منهم.  لكن أصحاب هذه النظرية السياسية لم يطبقوا نظريتهم على الاحتفالات بالذكرى السنوية الـ 1600 لوفاة القديس مارون شفيع الطائفة المارونية في لبنان، فاختاروا بدل الالتفاف حول الرئيس الروحي للطائفة المارونية في العالم البطريرك الماروني نصرالله صفير، الذي يرأس الاحتفالات الدينية المركزية في كاتدرائية القديس جرجس في وسط العاصمة بيروت، أن يتوجهوا إلى منطقة "براد" في حلب بسورية، حيث توفي القديس مارون، للمشاركة في إحياء هذه الذكرى. وهكذا أظهرت القوى السياسية المتحالفة مع سورية المناسبة الدينية المارونية الأولى في مشهدين:

Ad

- الأول يظهر فيه البطريرك صفير في وسط بيروت عاصمة لبنان محاطاً بأركان الدولة اللبنانية والقيادات والشخصيات السياسية والحزبية المارونية، وبحشود شعبية تؤيد مواقفه السياسية والوطنية.

- الثاني يظهر فيه ثلاثة من رموز القوى السياسية المتحالفة مع سورية: رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، والرئيس السابق للجمهورية العماد إميل لحود، ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، محاطين برعاية سورية رسمية، الهدف منها يتجاوز المناسبة الدينية إلى رسالة سياسية تظهر الاختلاف في نظرة الموارنة إلى العلاقات مع سورية.

وطرح المراقبون أكثر من علامة استفهام بشأن الأسباب التي تدفع القيادة السورية وحلفاءها اللبنانيين إلى المطالبة بإحياء الذكرى السنوية الخامسة لاغتيال الحريري باحتفالات "وطنية جامعة"، تتيح للجميع المشاركة فيها، في وقت تعمل على تحويل الاحتفالات بالذكرى السنوية الـ 1600 لوفاة القديس مارون إلى مناسبة لتكريس صورة الانقسام السياسي داخل الطائفة المارونية بين البطريرك صفير، محاطاً بالقيادات والشخصيات السياسية الداعمة لمواقفه من جهة، والثلاثي عون - لحود - فرنجية المعارضين لموقف بكركي من طبيعة العلاقة مع سورية من جهة مقابلة.

وفي اعتقاد المتابعين عن قرب للتطورات السياسية في لبنان فإن هذا التناقض يندرج في إطار المواجهة المستمرة بين سورية وخصومها السياسيين، لترويض الساحة اللبنانية، وإعادة إلحاقها بالسياسة السورية العامة بعد انفصالها عنها منذ عام 2005.

ويرى هؤلاء أن سورية، التي تخوض معركة ضارية منذ سنوات، لإسقاط تحالف قوى 14 آذار، نجحت في إخراج رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من هذا التحالف، وفي "احتواء" اندفاعة تيار المستقبل من خلال متطلبات موقع رئاسة الحكومة التي يتولاها الرئيس سعد الحريري، بمباركة من التفاهم السعودي - السوري، لكنها لم تتمكن من اختراق الموقف الرسمي للكنيسة المارونية الذي كان الأساس لانطلاق "انتفاضة الاستقلال" منذ النداء الذي وجهه مجلس المطارنة الموارنة برئاسة البطريرك صفير في سبتمبر من عام 2000، والذي طالب فيه بإعادة انتشار الجيش السوري، تطبيقاً لاتفاق الطائف بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان.

وفي رأي هؤلاء المراقبين فإن ما تسعى إليه دمشق في هذه المرحلة هو استكمال العوامل المساعدة على استعادة موقعها ودورها في السياسة اللبنانية، من خلال "تحييد" موقع البطريرك صفير وإضعافه، بما يقوض الشراكة المسيحية - الإسلامية في تحالف قوى 14 آذار، ويوجه إليها ضربة قاتلة من خلال عزل مسيحيي هذه القوى ورموزهم، بما يعيد الأمور في لبنان إلى ما كانت عليه قبل عام 2005.