كرامة وطن... ومهانة حُكْم
يتملكني الغضب- كما يتملك ملايين المصريين- ولولا بقايا عقل وجذور إيمان لخرجت شاهرا قلمي مشرعا لساني قاذفا ولاعنا كل من أساء وأهان علم بلادي وجماهيرها بعد موقعة مصر والجزائر الكروية.
بدأت «الحدوتة» بوقوع مصر والجزائر في مجموعة واحدة في التصفيات الإفريقية المؤهلة لكأس العالم القادمة، ومع اقتراب التصفيات من نهايتها انحصرت بطاقة الوصول بين الفريقين، مع العلم أن أقرب فريق منهما مضى عليه 20 عاما لم يصل إلى النهائيات، أي أن عدم وصول أيهما لا يعني جديدا أو كارثة، فالفشل دائم وموجود طوال 20 عاما فما الجديد؟!الجديد أن نظام الحكم في كلا البلدين لم يجد سوى أوهام الحلم الزائف سبيلا لخداع الجماهير وإلهائها عما يحدث داخليا من كوارث تمس حياة المواطن، فأُشعلت- عن عمد- نار الفتنة، وأوعز إلى بعض الإعلاميين فنفخوا فيها وأشعلوها حربا شعواء من أجل رياضة توصف بها الروح المتسامحة التي تبارك للفائز وتتمنى للمهزوم حظا أفضل... فأين ذلك؟وبعيدا عن التحليل الفني للمباريات ومستوى الأداء الرياضي فإن الأداء الإعلامي والحكومي كان أكثر من سيئ، وأسوأ من مغرض، فزاد من ثورة الجماهير وتعصبها وغضب كل طرف تجاه الآخر فكان ما كان. فما يعنيني وما يهمني وأتناوله بالنقد، باعتباري مصريا، هو الجانب المصري من الأداء المتخبط للمسؤولين المصريين الرياضيين والحكوميين على حد سواء، فبعد المباراة الأولى حدثت تجاوزات من الجماهير الجزائرية واعتداء على المصريين، وكانت تصريحات المسؤولين المصريين كلها تدعو إلى التهدئة والتحلي بالروح الرياضية والتعامل مع الأشقاء بالروح القومية، بل إن وزير الخارجية اتهم جهات خارجية بالتحريض!! ماذا تغير الآن لتنقلب تصريحات المسؤولين رأسا على عقب؟ أقول لكم ماذا تغير؟ بعد المباراة الأولى كان الأمل في الوصول مازال قائما والوصول يعني المجد الشخصي والفخر للمسؤولين، ويعني- وهذا هو الأهم- أكثر من 8 شهور يظل فيها الشعب مغيبا لاهيا عابثا بالحديث حول كأس العالم، غافلا عن مشاكله وهمومه الداخلية، تاركا الفاسدين من المسؤولين يواصلون فسادهم وغيهم، أما الآن- بعد المباراة الفاصلة- وضياع الوصول فلا شيء يلهي الشعب، فكان من الضروري البحث عن شيء آخر، ولو على حساب كرامة الوطن، فبدؤوا بذرف دموع التماسيح تباكياً على ما حدث من تجاوزات واعتداءات... فإذا كنتم صادقين حقا فإن أول ما يجب عليكم فعله أن تستقيلوا جميعاً بعد فشلكم في كل شيء... لو كنتم صادقين فلماذا لم تتحركوا بعد المباراة الأولى؟! ولماذا هيجتم الجماهير بعد المباراة الفاصلة؟! وما هو أعجب في سلوك المسؤولين هو الفرحة الطاغية والتصريحات السعيدة التي انطلقت من أفواههم الكريهة بعد أن انحازت «القرعة» لمصر باختيار السودان مكاناً للمباراة الفاصلة، فأخذوا يتغنون بالعلاقة بين مصر والسودان والشعبين الشقيقين والبلد التوأم.... إلخ. وفجأة- بعد المباراة- انقلب السحر على الساحر، واتُهمت الحكومة السودانية بالتقصير والإهمال، والسلطات الأمنية بالتخاذل والتواطؤ، وتم استدعاء السفير السوداني... فمن أجل ماذا كل هذا؟هل حقيقة، كما تدعون، من أجل مصر وكرامتها؟ وأين كنتم وكرامة مصر تتدهور يوما بعد يوم من حرب تموز/يوليو إلى حصار غزة إلى موقعة أم درمان... لقد أصبح العلم المصري هو ثالث أكثر الأعلام حرقا وتمزيقاً في الوطن العربي بعد العلمين الأميركي والإسرائيلي!! أين كنتم وكرامة المصريين (الذين خرجوا باحثين عن لقمة العيش الذي ضاقت به مصر عليهم) تذبح كل يوم فرديا وجماعيا في دول العالم المختلفة؟ هل ما تفعلونه فعلا من أجل كرامة مصر أم من أجل نظام حُكم أصبح مهانا في جميع الدول وفي كل الأوقات؟ ومن المسؤول عن تلك المهانة؟ أليس هو الحُكم نفسه الذي أهان المصريين وهانوا عليه فهان هو على الآخرين؟إن كرامة مصر لن ترتبط يوما بضربة رأس أو ركلة قدم في مباراة للكرة، أما إن أراد الحُكم أن يربط كرامته بها فهو وشأنه.وفي النهاية فإن أغرب اللقطات هي أنه بينما يحرق بعض المتظاهرين العلم المصري وصورة الرئيس يرفع البعض الآخر صورة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر! فما دلالة ذلك؟* أهدى الفنان فتحي عبدالوهاب جائزة «التمثيل» التي حصل عليها إلى الفريق القومي واتحاد الكرة وجهاز الشباب... هل نصفق؟ أم نضحك؟