تثقل الكتابة على الكاتب في بعض الأحيان حتى تكاد تصبح أشبه بمحاولة دفع «تريلة- سكس ويل» محملة بقطيع من الأفيال، وهذا الوصف المتطرف للشعور الثقيل الذي يعتري الكاتب أحيانا، لن يدركه إلا شخص من اثنين: إما شخص حاول أن يدفع «تريلة- سكس ويل» محملة بالأفيال فعلا، وإما شخص ممن يمارسون الكتابة المستمرة سواء اليومية أو الأسبوعية، ويعتريه القلق دائما من تقديم الرديء الذي قد يستجلب سخرية القراء، وربما سخطهم!
أذكر هذا وأنا مدرك طبعا حقيقة أن رضا الناس غاية لا تدرك، ومدرك كذلك حقيقة أن هناك صنفا من القراء لن يعجبهم المكتوب مهما كان جيدا، لأن خصومتهم مع الكاتب ستعميهم في كل الأحوال عن رؤية ذلك، لكنني أتكلم في الإطار العام.أتكلم عن أولئك القراء الذين ينظرون إلى المكتوب كفكرة ومضمون وأسلوب وصياغة بعيدا عمن كتبه، وكذلك أتكلم قبل ذلك عن رضاي أنا ككاتب عن نفسي، فقد صرت أعاني أخيرا كثيراً من هذا الشعور، أعني استشعار ثقل الكتابة والقلق من عدم الارتقاء لذائقة القراء، وصار حديثي الدائم بيني وبين المقربين مني.وكذلك لعل من أصعب الحالات التي تمر على الكاتب أيضا، هو ذلك الشعور الذي يعتريه عندما ينشر له مقال جيد، ويكون سعيد الحظ فتداعب أذنه عبارات الثناء والإشادة من الجمهور، لأنه بعدما يتجاوز تلك النشوة المؤقتة وعندما يتلاشى مذاق السكر من فمه، سرعان ما يستولي عليه شعور خانق بالتبعة الثقيلة، والإحساس بأنه مطالب الآن أمام هذا الجمهور، بكتابة ما هو أفضل وتقديم ما هو أحسن، لتصبح المسألة كالتحدي بينه وبين ونفسه، وفي كل مرة ينجح فيها سيرتفع سقف التحدي أمامه من جديد ليصبح أعلى من ذي قبل!إنه شعور ثقيل حقا، ولكن لن يدركه تماما إلا من يمارسون فعل الكتابة بشكل دائم، لكن الحق أني لا أدري ما الذي دفعني إلى كتابة هذا المقال اليوم! لعلها رغبتي في مشاطرتكم هذا الشعور باعتباركم جزءا، بل الجزء الأساس من معادلة الكاتب (المفكر المؤدي) والمكتوب والقارئ (المتلقي والحكم الناقد)، أو لعلها الرغبة في الوصول إلى القول بأن الكاتب الجيد ليس هو ذلك الذي لا يتوقف عن الكتابة أبدا، ولا يتورع عن كتابة ونشر أي شيء ليل نهار، إنما هو ذاك الذي يعيش هاجس الكتابة الجيدة، ويعيش القلق الدائم من عدم الارتقاء إلى ذائقة القراء والخوف من جرحها بالفكرة التافهة الركيكة أو اللفظة النابية، ويسعى جاهدا إلى تقديم الأكثر فائدة والأفضل في كل مرة يطل فيها عليهم. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
مقالات
الكاتب وهاجس الكتابة!
02-02-2010