جاءت كلمة وزير الشؤون الاجتماعية والعمل د. محمد العفاسي، الذي ترأس وفد الكويت أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف، لتناقض أرض الواقع في الكثير من الأمور، إذ قال إن الكويت "تسعى إلى تأصيل ثقافة حقوق الإنسان ورعاية حرياته وحمايتها، وإنها تعتبر هذه الثقافة بمنزلة أحد أهم الركائز الرئيسية لحفظ التراث الإنساني والاجتماعي والوطني"... وهو كلام جميل ومنمق، لكنه لا يتفق مع تقرير الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان لعام 2009 (دع عنك التقارير الدولية) الذي يدحض ما يذهب إليه الوزير وفريقه... ليؤكد أن عام 2009 كان "صعباً على المعنيين بمسائل حقوق الإنسان في الكويت... ولم تتحسن أوضاع حقوق الإنسان بشكل لافت، بل إن أوضاع الحريات قد تراجعت بما يقلق كل العاملين في الشأن العام ومجالات الإعلام"، منبهاً إلى التجاوزات التي "حدثت لفئات عديدة في الكويت مثل أفراد العمالة الوافدة وجماعات من فئة عديمي الجنسية".

Ad

برر الوزير موقف الكويت من انتهاك حقوق البدون بأنهم دخلوا البلاد "بصورة غير مشروعة"، وأخفوا "هوياتهم الأصلية"، وادعوا أنهم "من رعايا الكويت طمعاً في الحصول على المزايا"... ليتساءل البعض: كيف كانت الأعداد المهولة للبدون تنضم إلى السلك العسكري، وتدافع عن البلد وأمنه طوال هذه السنين وهي تخالف القانون وتقيم "بصورة غير مشروعة"؟ بل كيف كان البدون يضافون ضمن الإحصاء الرسمي لأعداد الكويتيين، واليوم تنكر الدولة وجودهم؟ ولماذا لا يحالون إلى القضاء ليأخذ كل ذي حق حقه إن كانت الدولة تؤمن فعلاً بالدستور الذي كفل للجميع حق التقاضي؟

أشار الوزير كذلك في كلمته "إلى أن المشرع الدستوري شمل توفير الحماية المستقبلية لمبادئ الحرية والمساواة، حيث حظر الدستور اقتراح تعديل تلك المبادئ ما لم يتضمن التنقيح المقترح مزيداً من ضمانات الحرية والمساواة"، ونحن نسأل مجدداً: ماذا عن "الضوابط الشرعية" المعطلة للمواد الدستورية التي تكفل الحريات (التي أثبتت أنها شكلية)؟ وماذا عن القوانين غير الدستورية التي ضيقت من ضمانات الحرية والمساواة؟ على سبيل المثال لا الحصر، قانون الجنسية الذي يشترط اعتناق الإسلام للحصول على الجنسية، وهو ما يتعارض مع المادة 35 التي تنص على أن "حرية الاعتقاد مطلقة"، وقانون التعليم العالي الذي يفرض عدم الاختلاط في الجامعات الخاصة، والذي يتعارض مع مبدأ حرية الاختيار ويتناقض مع المادتين 8 و40، وقانون المطبوعات والنشر الذي غلظ العقوبات دون مراعاة نص المادتين 36 و37 اللتين كفلتا حرية الرأي والتعبير والنشر.

الأدهى والأمر أن هذه التصريحات، التي كان الفريق مزهواً بها، تناقضت مع ما اتخذ من إجراءات تعسفية في الشهور القليلة الماضية، كمنع دخول بعض المفكرين البلاد، وتسفير 17 مصرياً عبروا عن رأيهم سلمياً، إضافة إلى حبس واحتجاز مرشحين وصحافيين على ذمة قضايا الرأي، وهو ما يخالف المادة 31 من الدستور التي تنص على أنه "لا يجوز القبض على إنسان أو حبسه أو تفتيشه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل إلا وفق أحكام القانون، ولا يعرض أي إنسان للتعذيب أو المعاملة الحاطة بالكرامة"، وها هو الكاتب محمد عبدالقادر الجاسم يعتقل، ويحول إلى أمن الدولة، ثم يحجز في السجن المركزي، ويُمنع أهله من زيارته، والسبب أنه عبر عن رأيه!

والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف تريد الحكومة تطبيق خطة التنمية، بينما تُغيب مزاجيتها مفهوم الحريات ودولة القانون؟ ولا أدل من مقولة توماس جيفرسن "من يريد إسقاط أي أمة وإنزالها إلى الحضيض، ما عليه إلا أن يكبح الحريات ويلجم الأفواه".‏