عندما تغتال الحريات 
بيد الامة (2)


نشر في 21-01-2010
آخر تحديث 21-01-2010 | 00:01
 إيمان علي البداح من المحزن أن أكتب الجزء الأول من هذا المقال بمناسبة منع أبوزيد من دخول الكويت، وأن يأتي الجزء الثاني بعد عاصفة منع العريفي، فرغم الفارق الواضح بين الشخصيتين والفريقين وراء كل منع، فإن عقلية التصرف وردّ الفعل هي نفسها، والمحزن أكثر أن فريق منع العريفي لطالما كان ضحية الفريق الأول في المنع والحجب والتجريم، سواء كان ذلك في حريتهم في استضافة مفكريهم أو في نشر كتبهم أو حتى بناء مساجدهم وحسينياتهم.

وبعد حجة «حماية الوحدة الوطنية» المملة تأتي حجة «حماية المقدسات» و»احترام المعتقدات»، بل يصل البعض ليضع غطاءً دستورياً لهذه الحجة استناداً إلى المادة (35) من الدستور. ونجد «حماية المقدسات» و»حرمة الأديان» خطوطاً حمراء في كثير من القوانين والضوابط، على رأسها قانونا «المطبوعات» و»المرئي والمسموع».

وهذه الحجة واهية ولا سند منطقياً أو دستورياً لها، فالمادة (35) من الدستور تنص على أن «حرية الاعتقاد مطلقة، وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان طبقاً للعادات المرعية على ألا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافي الآداب»، ونص المادة وتفسيرها كما جاء في المذكرة التفسيرية واضحان جداً، فالدولة تكفل ممارسات الأديان كافة، وتضمن حرية كل فرد في الاعتقاد، حتى- كما جاء في المذكرة التفسيرية- «لو كان الشخص لا يعتقد في دين ما»! وحرية الاعتقاد والممارسة هذه لا علاقة لها بحرية التعبير والبحث والدراسة في هذه المعتقدات والممارسات التي ضمَّنها الدستور بشكل واضح في المادة (36). فلكل إنسان حق «التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما» وإن كان مخالفاً لما يراه البعض من المسلّمات أو المقدسات. ولولا هذا الحق الذي يمارسه الإسلاميون أنفسهم لما كان هنالك هذا الكم الهائل من الفروقات بينهم في المعتقد والممارسة!

فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ عندما يطالب مفكر مثل أبوزيد بإعادة باب الاجتهاد والتأويل العلمي للنص القرآني لم يكفر، بل قال ما اتفق عليه الكثير من الأئمة والمفكرين عبر التاريخ الإسلامي الطويل. ومن حقي أن أسمع رأيه وأن أقيِّم أفكاره وإن تناقضت مع الفكر السلفي الرافض للتغيير، والذي مازال بعض «علمائه» يجادل في كروية الأرض.

أين الحد؟ وأين تقف حرية التعبير؟ كما سبق أن ذكرنا فإن الحرية مسؤولية، ومسؤولية مَن يستخدم حقه في التعبير عن رأيه ألا يسبب الضرر أو الإساءة. والضرر يكون بإعطاء «معلومة» مغلوطة أو غير مؤكدة تسبب ضرراً مادياً أو تدفع إلى الإرهاب أو الكراهية أو التمييز، والتأكيد هنا على «معلومة» وليس على «رأي». الرأي قد لا يعجبني وقد لا أتفق معه- ككل آراء العريفي- ولكن عدم تقبلي له لا يحد من حرية الآخرين بالاستماع إليه أو نقاشه أو بحثه.

منطقيا لو قام كل فريق بمنع أي رأي يتناقض معه، فالنتيجة هي قتل الحوار والبحث والتطوير، وبالتالي التقارب الممكن بين فئات هذا المجتمع وطوائفه وفرقه، وهذا هو الخطر الحقيقي على الوحدة الوطنية و»المقدسات» و»المعتقدات».

back to top