عندما تكون أوضاع المنطقة كلها هي هذه الأوضاع المتردية والمتهاوية والمتوترة حتى حدود الانفجار فإن توقّعَ حرب إقليمية تعقبها محاولات جادة للتوصل إلى حلول جزئية أو شاملة للبؤر الملتهبة شيء طبيعي، وهذا حدث بالنسبة إلى عقدة العقد التي هي أزمة الشرق الأوسط، إذ انعقد مؤتمر مدريد بمجرد توقف حرب تحرير الكويت، وحرب أكتوبر 1973 استُتْبعتْ باتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل.

Ad

المثل يقول: "اشتد أزمة تنفرجي"، والحقيقة أنه لا يوجد اشتداد لأزمات هذه المنطقة الملتهبة كهذا الاشتداد، فإيران تتقاتل مع نفسها في الداخل، بالإضافة إلى قتالها على جبهات أخرى متعددة في الخارج، والعراق يتناهشه أبناؤه، وذلك إلى حدّ أن وحدته أصبحت في دائرة الخطر، وفلسطين يتفتت كبدها بسبب صراع الإخوة الأعداء، بالإضافة إلى الذبح اليومي لها من قبل يمين إسرائيلي مصاب بالعقدة النازية الدموية، وهكذا، وهناك الجرح اليمني الذي غدا راعفاً، ونيران الحرب الأهلية اللبنانية التي هي بانتظار نفخة على ما يغطيها من رماد، وهناك وضع الصومال الذي يحتاج إلى ألف حلالٍ وحلّال، ووضع السودان الذي ما إن يخرج من حلقة نارية حتى يدخل أخرى، ثم هناك الأزمات النائمة في دولٍ كثيرة تعتقد أنها بعيدة عما يعانيه غيرها، مع أن واقعها أوهى من خيط العنكبوت.

واستناداً إلى هذا المثل الآنف الذكر، وبما أن كل هذه المنطقة تعيش أوضاعاً بلغت ذروة التأزم، فهل الانفراج قادم أم أننا بانتظار حرب إقليمية أو حروب متعددة كي يكون الخيار التالي هو خيار السلام...؟!

المفترض، وفقاً للنظرية الكلاسيكية القائلة إن الطريق إلى السلام لابد أن يمر بحرب أو حروب طاحنة، أن كل هذه التوترات، التي تخللتها حربان طاحنتان فعلاً هما الحرب على لبنان في عام 2006، والحرب على غزة في عام 2009، يجب أن تفضي إلى أكثر من تهدئة وأكثر من إنجاز، وبخاصة بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، إذ غدت القناعة راسخة بالنسبة إلى غالبية الأميركيين بأن ترك هذه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة تفعل في الشرق الأوسط ما تشاء سيؤدي حتماً إلى تقويض معادلة الأمن القومي الأميركي في هذه المنطقة الاستراتيجية والهامة.

هناك احتمال يصل إلى حدود القناعة الراسخة بأن المفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ستفشل، وأنه لا مفاوضات مباشرة مع بنيامين نتنياهو على الإطلاق، وهذا يعني أن خيارات الحرب، إن حصل هذا فعلاً، ستكون مطروحة سواء من خلال الجبهة اللبنانية أو من خلال جبهة إيران التي يدفعها محمود أحمدي نجاد دفعاً نحو حرب إقليمية، إن هي اندلعت فعلاً فإنها ستكون مدمرة، وستؤدي بالتأكيد إلى تغيير عدد كبير من هذه الخرائط السياسية القائمة.