المناهج والاحتقان الطائفي

نشر في 22-07-2009
آخر تحديث 22-07-2009 | 00:00
 د. بدر الديحاني ردود الفعل المتسرعة والعنيفة من قبل بعض أعضاء مجلس الأمة على تصريح وزيرة التربية ووزيرة التعليم العالي لإحدى القنوات الفضائية، والذي ذكرت فيه أن أي ملاحظات تصل إليها بخصوص المناهج الدراسية ومن ضمنها منهج التربية الإسلامية تحال إلى الجهات الأكاديمية والفنية المختصة في الوزراة لدراستها وإبداء الرأي فيها، وهو تصريح عادي جداً وموضوعي تطرقت فيه الوزيرة فقط إلى كيفية تعاملها مع الاقتراحات التي تصل إليها من قبل أعضاء مجلس الأمة، تبيِّن أن هناك حالة احتقان طائفي مقلقة وخطيرة لكنها تظل، حتى الآن، كامنة في مجتمعنا تنتظر أي إشارة بسيطة لكي تبرز بقوة على السطح، إذ تعدت ردود فعل هؤلاء النواب تصريح الوزيرة لتصل إلى العنف اللفظي الطائفي في ما بينهم والاتهامات المتبادلة بعدم الانتماء الوطني!

وتعبر حالة الاحتقان الطائفي التي تبرز بعض مظاهرها بين الفينة والأخرى عن خلل في ثقافة المجتمع ونظرته إلى قضية التسامح الديني والمذهبي، وهي نظرة جديدة نسبياً في المجتمع الكويتي المتسامح، إذ ظهرت مع بروز التيار الديني المتشدد في منتصف سبعينيات القرن الماضي أثناء تحالفه مع الحكومة حينذاك، ثم ازدادت حدتها أثناء الحرب العراقية-الإيرانية في عقد الثمانينيات، ومن الخطأ، بل من الخطورة، أن يتم التعامل مع المظاهر الطائفية بشيء من عدم الجدية مثل اعتبار ما ذكره أولئك النواب أنها مجرد تصريحات صحافية نيابية عادية هدفها تحقيق مكاسب انتخابية فقط، لأن هذا يعني ترك النزعة الطائفية تنمو في المجتمع من دون علاج جذري، مما قد يؤدي إلى تهديد الوضع الداخلي وخلخلة تماسكه، إذ إن تجارب الكثير من الدول مثل لبنان والعراق وحتي إيرلندا الشمالية تبين أن العنف الطائفي لا يبني دولاً، بل على العكس فإنه يدمرها ويضاعف معاناة الناس فيها ويفاقمها.

وغني عن القول إن هنالك دائماً وأبداً علاقة عكسية بين بروز العامل الطائفي وقوة الدولة التي تتحقق من خلال سيادة القانون وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية والمساواة، فالدول الديمقراطية التي تأخذ بمبدأ المواطنة الدستورية المدنية وتطبق القوانين العادلة التي تضمن الحقوق المتساوية للجميع ينعدم فيها التجاذب الطائفي، إذ إن حق الجميع، بما في ذلك الأقليات الإثنية والمذهبية في ممارسة شعائرها الدينية والمذهبية وصولاً إلى استخدام لغتهم الخاصة، مكفول بحسب القانون ومطبق عملياً على أرض الواقع.

لذلك فإننا مطالبون جميعاً، حكومة ومجلس أمة وقوى سياسية ومؤسسات مجتمع مدني وقوى شبابية ووسائل اعلام وأفراد، ألا نعتبر موضوع التصريحات النيابية المتشنجة من كلا الطرفين للتعليق على تصريح عادي جداً لوزيرة التربية ووزيرة التعليم العالي، موضوعاً عابراً، بل علينا أن نبحث بشكل جدي عما وراء هذه التصريحات المتشنجة من عوامل جوهرية وأسباب رئيسية أدت إلى حالة الاحتقان الطائفي الخطير في مجتمعنا الذي جُبل على التسامح الديني والمذهبي.

إن هذه التصريحات الصحافية العنيفة ما هي إلا مؤشرات تعكس عللاً وأمراضاً طائفية كامنة في المجتمع، قد تنفجر في أي وقت بطريقة قد يصعب التحكم فيها. ونحن على يقين أن من أطلقها يعرف أكثر من غيره- إن كان فعلاً حريصاً على تطوير المناهج- أن هذا الموضوع يتعلق بالسياسة العامة للدولة التي تحكمها أسس ومبادئ دستورية وقانونية، وأن المكان المناسب لمناقشة السياسة التعليمية للدولة هو القنوات الرسمية التي للنواب الحق قبل غيرهم في المشاركة فيها ومراقبتها وتقييم أدائها بعيداً عن البهرجة الإعلامية والتأجيج الطائفي.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top