تدور فكرة أحد التمارين الإدارية، على أن يعطي المدرب ورقة كتب فيها سطر أو سطران من خبر أو معلومة ما إلى أول الجالسين في قاعة التدريب، طالباً منه حفظها في سره، ومن ثم نقلها همساً إلى جاره، وعلى الآخر أن ينقلها بدوره همساً إلى جاره، وهكذا حتى تدور بهدوء على كل من في قاعة التدريب واحداً تلو الآخر، وينتهي التمرين بأن يعلن آخر الجالسين الرسالة التي وصلته بصوت عال، وأن يقرأ أول الجالسين الرسالة التي وصلته في البداية، ليفاجأ الحضور بأن الرسالتين في اختلاف تام، ليس على مستوى النص نفسه فحسب، إنما حتى على مستوى فحوى الرسالة نفسها!

Ad

يبين هذا التمرين أن الإنسان عندما يقوم بنقل الرسائل والمعلومات التي تصله فإنه غالباً ما يضيف إليها بعضاً مما عنده، سواء في تغييره للمفردات المستخدمة، أو «تبهيره» للمعلومات الواردة وصبغها بطابعه الشخصي، وأحيانا تطويرها «وتزويقها» بشكل يراه أكثر تشويقا لتكون «أحلى» عندما يحكيها، لذا تأتي النصيحة دائما بأهمية التثبت من المعلومة من مصدرها الرئيسي قبل نقلها أو البناء عليها.

هذه الممارسة البشرية هي نفسها التي تخلق الشائعات غالباً، فكم من حادث بسيط انتهى ليكون في أحاديث الناس كارثة كبرى، وكم من جنحة انتهت في مجالس الناس إلى جناية معقدة تضلع بها أطراف خفية، وكم من كلمة بسيطة تلفظ بها صاحبها وصل خبرها بعد حين وقد صارت كفراً بواًحا، وكم... وكم... وكم!

تذكرت هذه الفكرة، بعدما فاجأتني الزميلة الفاضلة آمنة الموسوي منذ أيام برسالة تتساءل فيها عن حقيقة قيامي بتنظيم حملة لجمع التوقيعات للمطالبة بتأجيل العام الدراسي، فأجبتها بأن الأمر غير صحيح، وقصاراه أني كتبت بعض المقالات التي تنصح وزارتي التربية والصحة بتأجيل الدراسة لبعض الوقت كجزء من إدارة الأزمة، وذلك لإدراكي أن الاستعدادات المعلن عنها من المستحيل استكمالها في الوقت المتاح، وهو الأمر الذي ثبت على أرض الواقع فقد انتظمت الهيئات التدريسية في العمل قبل يومين وانكشف للناس أنه لا استعدادات ولا تعقيم ولا عيادات ولا من يحزنون حتى الآن، وأن هذا كله في شقه الأعظم لايزال كلاماً في كلام وحبراً على أوراق الجرائد، وأن أغلب المدارس مدفون تحت ركام الأتربة والغبار، وبعضها طافح المجاري لعله من باب التضامن مع «محطة مشرف» العظيمة، وأن عمال النظافة لا يكادون يوجدون في أغلب المدارس، وأن فكرة إلغاء طابور الصباح وإعادة ترتيب الفرص التي أعلنوا عنها اصطدمت بحقيقة كثرة الفرق الدراسية في بعض المدارس وأنها ستؤدي إلى خلق حالة إزعاج مستمرة تعرقل العملية التعليمية، وغيرها وغيرها من ألوان كرنفال التخبط المعجون بالعناد المعتاد!

لكن هذه الشائعة قد أوحت لي بأن أقوم بذلك فعلاً، فأرسلت أخبر الزميلة أن تنقل عني تأكيداً هذه المرة بأني بالفعل أنظم حملة لجمع التوقيعات لمناشدة المسؤولين تأجيل العام الدراسي حتى يتم استكمال الاستعدادات، وأن على الراغبين في الاشتراك إرسال أسمائهم لي على بريدي الإلكتروني.

أستهدف من هذه الحملة أمرين، أولاً، وهو، لعل وعسى، أن تستجيب الحكومة لنداء المنطق فتؤجل العام الدراسي وأن تترك أسلوب المناطحة والفرمانات العسكرية الذي تمارسه وزارة التربية المجيدة، خصوصاً بعدما تبين أن ما أعلن عن كون دول الخليج لن تؤجل الدراسة هو نصف الحقيقة، فدولة الإمارات اشترطت أنه لا عودة إلى الدراسة في الموعد المقرر إلا بعد تطعيم جميع الطلبة والأطقم التعليمية، والسعودية لن تعود إلى الدراسة إلا في منتصف أكتوبر أصلاً. ثانياً، أن نمارس كشعب بشكل حضاري دورنا في صنع القرارات التي تهمنا، فالأسرة كمثال هنا هي شريك أساسي في العملية التعليمية لأبنائها، كما يقال، ومن حقها أن تمارس دورها بحكم هذه الشراكة، وفي الدول المتقدمة يشارك حتى زارعو البطاطس في صناعة السياسات والقرارات التي تؤثر على بطاطسهم، فما بالك بتلك التي تؤثر على أبنائهم؟!

تمنياتي بالصحة والسلامة للجميع، وبالرشد والهداية لمسؤولينا، والموت لإنفلونزا الخنازير!