في 15 ديسمبر 2009 قامت هيئه أبوظبي للاستثمار برفع دعوى ضد «سيتي غروب»، تطالبها بتعويض 4 مليارات دولار على استثمارها في «سيتي غروب» والبالغ 7.5 مليارات دولار، الذي بدأته في خريف عام 2007.
لماذا رفعت هيئة أبوظبي للاستثمار دعوى ضد «سيتي غروب» بعد مرور أكثر من سنتين على استثمارها؟ ولماذا في منتصف ديسمبر 2009؟هذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذا المقال.استثمار أبوظبي في «سيتي غروب» في نوفمبر 2007حين انفجرت فقاعة أزمة الرهونات العقارية في المصارف الأميركية الكبيرة في صيف عام 2007، وبدأت تظهر الخسائر في حساباتها في الربع الثالث من العام نفسه، اتجهت هذه المصارف إلى البحث عن مستثمرين لإنقاذها، فلم تجدهم في أميركا ولا أوروبا لأن المستثمرين هناك كانوا على علم بأن الأزمة في بدايتها وكانوا يتوقعون المزيد من الخسائر للمؤسسات المالية الأميركية، فرفضوا جميع المحاولات التي قامت بها هذه المصارف لإقناعهم بالاستثمار فيها.وعندئذ اتجهت هذه المصارف ومن ضمنها «سيتي غروب» إلى البحث عن مستثمرين جدد لإنقاذها، وعثرت عليهم في دول الخليج وشرق آسيا.وكان الصندوق السيادي لأبوظبي هو أول من لبّى طلب «سيتي غروب»، وتبعه صناديق سيادية أخرى من الخليج والشرق الأقصى مثل الهيئة العامة للاستثمار في الكويت ومؤسسة استثمار حكومة سنغافورة.وفي 27 نوفمبر 2007 أعلنت هيئة استثمار أبوظبي أنها ستسثمر مبلغ 7.5 مليارات دولار في زيادة رأسمال «سيتي غروب»، وسيكون استثمارها على شكل أسهم ممتازة تدر عائداً سنوياً يبلغ 11 في المئة، ويتم تحويلها إلى أسهم عادية من غير أي عائد ثابت على فترتين: الأولى في مارس 2010 والثانية في سبتمبر 2011. ويكون سعر تحويل الأسهم الممتازة إلى أسهم عادية بسعرين شراء: الأول حوالي 32 دولاراً والثاني 37 دولاراً، وهذه الأسعار تعلو قليلا سعر سهم «سيتي غروب» آنذلك الذي كان 30 دولاراً. وتجدر الإشارة هنا أن سعر سهم «سيتي غروب» كان قد وصل إلى 57 دولاراً في عام 2006. وعليه اعتقدت هيئة أبوظبي للاستثمار وغيرها من الصناديق السيادية التي تبعتها في الاستثمار في «سيتي غروب» أنها حصلت على سعر جيد بعدما انخفض سعر السهم 50 في المئة خلال عام 2007.استثمار الكويت وسنغافورة في «سيتي غروب» في يناير 2008وبعد استثمار أبوظبي بشهر، أعلنت صناديق سيادية من ضمنها الهيئة العامة للاستثمار في الكويت ومؤسسة استثمار حكومة سنغافورة أنها تنوي الاستثمار في زيادة أخرى لرأسمال «سيتي غروب». وكما ذكرنا في مقالنا المنشور في «الجريدة» في 13 ديسمبر 2009، استثمرت الكويت مبلغ 3 مليارات دولار، في حين استثمرت مؤسسة استثمار حكومة سنغافورة حوالي 7 مليارات دولار في «سيتي غروب» في منتصف يناير 2008.وكان استثمار الكويت وسنغافورة على شكل أسهم ممتازة تدر عائداً سنوياً يبلغ 7 في المئة، ويتم تحويلها بعد فترة من الزمن إلى أسهم عادية من غير أي عائد ثابت. ويكون سعر تحويل الأسهم الممتازة إلى أسهم عادية حوالي 30 دولاراً، وهو سعر يعلو قليلا سعر سهم «سيتي غروب» آنذلك الذي كان 26 دولاراً.انخفاض سهم «سيتي غروب» منذ استثمار الصناديق السياديةاستمر سعر سهم «سيتي غروب» في الانخفاض منذ استثمار الصناديق السيادية به وإلى اليوم، وذلك بسبب الخسائر الفادحة التي تكبدها المصرف من جراء مشكلة الديون المتعثرة من الرهونات العقارية في الولايات المتحدة الأميركية التي أدت إلى إشعال الأزمة المالية العالمية، إذ انخفض سعر سهم المصرف من 30 دولاراً في بداية 2008 إلى دولار واحد في فبراير 2009، أي بانخفاض يعادل 97 في المئة خلال عام واحد. ويتداول السهم حالياً بسعر 3.60 دولارات فقط، أي بانخفاض يعادل حوالي 90 في المئة منذ استثمار الصناديق السيادية به.وقد كتبنا عدة مقالات في بداية عام 2008 انتقدنا فيها استثمار الصناديق السيادية في المصارف الأميركية المتعثرة مثل «سيتي غروب» و«ميريل لينش»، وقلنا إن الصناديق السيادية تسرعت في قرار استثمارها، وكان الأجدى بها أن تنتظر حتى تكشف كل الحقائق بخصوص خسائر المصارف الأميركية مثلما فعل المستثمرون الأميركيون والأوروبيون.إعلان سنغافورة والكويت بيع استثمارهما في «سيتي غروب» بربح!في 22 سبتمبر 2009 أعلنت سنغافورة أنها حققت ربحاً يعادل 1.6 مليار دولار من بيع نصف حصتها البالغة 3.5 مليارات دولار في «سيتي غروب».وفي 6 ديسمبر 2009 أعلنت الكويت أنها حققت ربحاً يعادل 1.1 مليار دولار من بيع كامل حصتها البالغة 3 مليارات دولار في «سيتي غروب».ولم تشرح أي من الكويت أو سنغافورة كيف تمكنتا من تحقيق ربح من استثمار كان من المفروض أن يكون خاسراً، إذ إن سعر سهم «سيتي غروب» استمر في الانخفاض منذ أن استثمرتا به!وكذلك لم تشرح أي منهما كيف يمكن شراء أسهما بسعر حوالي 30 دولاراً – حسب شروط استثمارها التي تم إعلانها في يناير 2008 - ثم بيع تلك الأسهم العادية في عام 2009 بسعر أقل من سعر الشراء وتحقيق أرباح!مقالنا المنشور في 13 ديسمبر 2009 كشف لغز الأرباحفي 13 ديسمبر 2009، نشرت «الجريدة» مقالا لنا شرحنا فيه «لغز» الأرباح التي حققتها كل من الكويت وسنغافورة، وبينا فيه أن السبب وراء تحقيق كل من الكويت وسنغافورة لأرباح من استثمارهما في «سيتي غروب» يعود إلى تدخل الحكومة الأميركية لإنفاذ «سيتي غروب» من الإفلاس، واستثمارها هي الأخرى في رأسمال المصرف بمبلغ يعادل 45 مليار دولار، وكان على شكل أسهم ممتازة يتم تحويلها إلى أسهم عادية بسعر 3.25 دولارات، ونظراً إلى عدم رغبة «سيتي غروب» في أن تكون الحكومة الأميركية هي المالك الأكبر فيها، وحتى تقنع الصناديق السيادية بتحويل استثمارها إلى أسهم عادية، قامت «سيتي غروب» بتغيير الشروط الأولية لاستثمار الكويت وسنغافورة، إذ غيرت سعر تحويل الأسهم الممتازة إلى أسهم عادية من سعر عال وهو حوالي 30 دولاراً إلى سعر أقل وهو 3.25 دولارات، وهو نفس السعر الذي أعطي للحكومة الأميركية يوم إنقاذها لسيتي غروب، حين كان سعر سهم «سيتي غروب» دولاراً واحداً! وبعد تغيير سعر التحويل إلى سعر أقل، حولت كل من الكويت وسنغافورة استثمارهما من أسهم ممتازة إلى أسهم عادية، وحصلت كل منهما على أسهم عادية أكثر من التي تعاقدت عليها في بداية الاستثمار في يناير 2008، ومن ثم استطاعت كلتاهما بيع حصصهما الجديدة بأسعار تتراوح بين 4 و6 دولارات، وهي أسعار أعلى من سعر الشراء الجديد البالغ 3.25 دولارات، مما مكنهما من تحقيق أرباح.أبوظبي ترفع دعوى ضد «سيتي غروب» في 15 ديسمبر 2009في 15 ديسمبر 2009 قامت هيئة أبوظبي للاستثمار برفع «طلب تحكيمي» (Arbitration Claim) ضد «سيتي غروب» في نيويورك، تطالبها بتعويض 4 مليارات دولار، أي ما يعادل نصف قيمة استثمارها في «سيتي غروب» البالغ 7.5 مليارات دولار.وتجدر الإشارة هنا أن الطلب التحكيمي يختلف عن الدعوى القضائية في عدة نقاط، أهمها أن الطلب التحكيمي يكون تقديمه ونتيجته أسرع من الدعوى القضائية.يبدو من مطالبة أبوظبي بالتعويض أنها لم تحظَ بنفس المعاملة المتميزة التي حظيت بها كل من الكويت وسنغافورة والتي مكنتهما من تحقيق أرباح، في حين يظل استثمار أبوظبي في «سيتي غروب» خاسراً دفترياً، لأنه ما زال يخضع للشروط الأولية وهي تحويل الأسهم الممتازة إلى أسهم عادية في عامي 2010 و2011 بأسعار عالية جداً هي 32 و37 دولاراً، في حين يتداول سهم «سيتي غروب» حاليًا بسعر 3.60 دولارات، أي بانخفاض يعادل حوالي 90 في المئة منذ بداية استثمار أبوظبي به في نوفمبر2007.ويتضح من توقيت الطلب التحكيمي، الذي جاء بعد إعلان الكويت أرباحها بعشرة أيام، أن له علاقه بكشف الحقيقة عن كيفية تحقيق ذلك الربح من الاستثمار في «سيتي غروب» والذي لم يكن ممكناً لو لم تغير «سيتي غروب» الشروط الأولية لاستثمار الكويت وسنغافورة بها، والذي يبدو أن «سيتي غروب» أرادت أن يكون الأمر سراً بينها وبين كل من الكويت وسنغافورة!لماذا غيرت «سيتي غروب» شروط استثمار الكويت وسنغافورةولم تغيرها لأبوظبي؟في يناير 2008 استثمرت الكويت وسنغافورة في «سيتي غروب» ضمن مجموعة تضم الأمير وليد بن طلال، و«سانفورد ويل» الرئيس التنفيذي السابق لـ«سيتي غروب»، وكان مبلغ الاستثمارالكلي لهذه المجموعة 12.5 مليار دولار.ويبدو أن «سيتي غروب» أرادت أن تنفع مجموعة الأمير الوليد بن طلال و«سانفورد ويل» بحكم علاقتهما القوية بالمصرف. فالأمير وليد بن طلال يعد من أكبر المساهمين في «سيتي غروب» وعلاقته بالمصرف بدأت منذ 1990 عندما استثمر به لإنقاذه من الإفلاس في ذلك الوقت وامتلك 15 في المئة منه، كما يمتلك «سانفورد ويل» حصة في «سيتي غروب» وكان رئيساً للمصرف من 1998 إلى 2005.وكان حظ الكويت وسنغافورة أن استثمارهما كان ضمن استثمار الأمير الوليد بن طلال والرئيس التنفيذي السابق لـ«سيتي غروب»، بينما لم تحظ أبوظبي بهذا الحظ!ملاحظة: لقراءة المقالات السابقة للكاتبة عن استثمار الصناديق السيادية في المصارف الأميركية المتعثرة التي نشرت في عامي 2008 و2009، يمكنكم البحث تحت اسم الكاتبة في النسخة الإلكترونية لصحيفة "الجريدة".
مقالات
وجهة نظر: سر الخلاف بين هيئة استثمار أبوظبي ومصرف «سيتي غروب»
10-01-2010