آمال نحن أبو رشيد

نشر في 16-06-2009
آخر تحديث 16-06-2009 | 00:00
 محمد الوشيحي قرأت ذات مرة عن صايع مغربي أو جزائري عاش في الخمسينيات، اسمه ديري، يقود عصابة... وهو مجرم، نذل، قاسي القلب، لا يعرف الخوف، أو هو يتظاهر أنه كذلك، بينما هو نمر من ورق وأسد من كرتون، يعبث بالمساكين بلا رحمة فيخافه الناس، وهو كثير الكلام والفشخرة.

وفي المنطقة المجاورة، صايع آخر اسمه رشيد، يقود عصابة أيضا، قليل الكلام، شرس، صدوق، إذا هدد فعل، وإن سامحك هذه المرة فيا ويل أمك إن أغضبته مرة أخرى، وهو جشع لا يشبع من جمع المال لكنه لا يخلو من الشهامة، وهو فتوّة من الدرجة الفاخرة، مكفول من المصنع الألماني، أول ضحاياه كان جاره الذي اعتدى على أمه، وكان حينذاك صبياً يتيماً لم يبلغ الرابعة عشرة من عمره، ومن يومها فتحت معاه بحري، وعرض نفسه وبلطجته في السوق لكل من يدفع، القتل بمبلغ، وإحداث عاهة بمبلغ، وحرق الوجه بمبلغ، وحرق المنزل والأملاك بمبلغ، والزبون دائما على حق.

وكبر رشيد، وصار يعمل لحسابه الخاص، وراح أصحاب المحلات يدفعون الأتاوات ليشتروا أمنهم وراحتهم، والسجناء المشاركون له في العنبر لا يكفون عن رفع أيديهم بالدعاء أن ينام، فنومه عبادة، وهو إذا نام امتنعوا عن الكلام كي لا تنقلب ليلتهم إلى حفلة تشريح مريح.

ولرؤساء العصابات قوانينهم الخاصة بهم، يطبقونها بحذافيرها، فبعضهم يتحاشى بعضاً، وهم يتبادلون الاحترام وحفظ المكانة، كرؤساء عصابات، ويتبادلون الحماية والنصرة ضد الشرطة، ويتبادلون حماية الأصدقاء والأقارب، وما شابه.

ولأن ديري ليس بلطجيا حقيقيا، فقد كسر أحد أهم القوانين، وعبث مع أحد أقارب رشيد، وضربه أمام جمع من الناس وكسر رجله، وكان الرجل المسكين بين كل آهة وضحاها يخبر ديري أنه قريب رشيد، وأن رشيدا سيغضب، لكن صراخ ديري العالي كالعادة حال دون سماع صوت الرجل ذاك.

اللهم سلّم سلّم، انتشر الخبر إلى أن وصل إلى صاحبنا الهارب رشيد، فأرعدت السماء وأبرقت برقيات عاجلة: "الموت قادم"، وصمتت الأزقة في منطقة ديري بعدما هرعت النسوة بهلع لالتقاط أطفالهن قبل أن تدهسهم الأقدام، وعضت الحواري شفاهها السفلى رعبا، ووضعت البيوت أيديها على رؤوسها من هول الغد، وارتفع الهمس بين الناس: لطفك يا لطيف، كيف سيكون انتقام رشيد؟، هم لا يتساءلون إن كان سينتقم أم لا، فهذا "مثل الشارب اللي عليك"، لكن السؤال: كيف؟ سيفتح كرشه ويربطه بمصرانه ويرميه للكلاب الجائعة؟ الله أعلم. الأكيد أن رشيدا سيعدل بين الكلاب والغربان، والأكيد أيضا أنه عاد من مكان اختبائه، فالأمر جلل.

وبلغ الخبر ديري، فأخذ يصيح ويلطم وجهه وينثر التراب على رأسه، في حين أبلغ رشيد جماعته أن يستعدوا للانقضاض على منطقة ديري، لكن أحد أصحابه أشار

عليه بأن يختطفوا ديري، دون الحاجة إلى إسالة الدماء التي قد تجذب الشرطة، وهذا ما كان، وبالحيلة اختطفوه وأحضروه إلى رشيد...

وراح ديري يقسم أنه لم يسمع كلام الرجل بسبب الضوضاء والجلبة، فقطع رشيد أذنيه بحجة عدم الفائدة، ثم قطع إحدى يديه وإحدى رجليه وفقأ إحدى عينيه، وحذّره: إذا أمسكت بكلب ينبح في الشارع، فعليك أن تسأله إن كانت تربطه صلة قرابة بي أم لا، فقد يكون الكلب ابن عمي، فأغضب عليك! ثم أطلق سراحه ليكون عبرة.

وسمع الناس الخبر، وصار كل من يتعرض له ديري يقول "أنا ابن عم رشيد"، "أنا ابن خالة رشيد"، إلى أن أفلس ديري ولم يجد ما يسد به رمقه ورمق رجاله، فانفضوا عنه، فانطوى وانزوى ومات وحيداً...

وحكومتنا في الكويت "ديري" تعبث بالشعب وبالديمقراطية، والشعب يصرخ: أنا أبو البرلمان "رشيد"، وعندما غضب رشيد، قالت له الأخت ديري تستغفله: "كانت هذه هي الحكومة السابقة، ولا دخل للحكومة الحالية بذلك"، هاهاها... وها هي السماء ترعد وتبرق، والحواري تعض شفاهها والبيوت تضع أيديها على رؤوسها بعدما غضب رشيد.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top