إذا كان المرحوم عبد العزيز الرشيد هو أول صحافي كويتي، فإن الكاتبين العظيمين أحمد الديين وعبد اللطيف الدعيج، أطال الله عمريهما، هما أول من احترف الصحافة في الكويت، من غير الملاّك بالطبع. وكان ذلك في عام 1971 في جريدة "السياسة". فقد كان كلّ منهما يكتب عموده الأسبوعي ويزاول عمله كمحرر صحافي. وكانا قد عملا قبل ذلك في الصحافة، لكنهما لم يحترفاها إلا في العام المذكور.

Ad

وقبل الاحتراف بسنوات، تحديدا عام 1966، أجرى العظيم أحمد الديين واحداً من أوائل لقاءاته الصحافية، إن لم يكن أولها، وكان مع الوكيل المساعد لوزارة البرق والبريد والهاتف - المواصلات حالياً - السيد أحمد السعدون! وعن هذا اللقاء يتحدث "بو فهد"، أحمد الديين، ضاحكاً: "اللافت للنظر حينذاك أن أحمد السعدون كان أثناء اللقاء يستخدم قلم الرصاص، وهو ما استمر عليه إلى الآن، فالسعدون إلى هذه اللحظة لا يستخدم قلم الحبر بتاتاً إلا في الإمضاء أو التأشير على الكتب الرسمية، وما خلا ذلك فالقلم الرصاص هو رفيق الدرب".

ولهذين العظيمين، الديين والدعيج، تنحني أقلامنا خضوعاً وتأدباً، نحن كتاب الوقت هذا، لتفسح لقلميهما "صدر الديوان". ولم يؤلمني شيء بقدر ما آلمني شتائم بعض المدونين لأبي راكان، عبداللطيف الدعيج، قبل أسابيع. وللأمانة، تصدّى مدونون آخرون لزملائهم وذكّروهم بأنهم يتحدثون عن الدعيج، وهو مَن لا يجوز شتمه. وكنت كلما قرأت مدونة تشتمه، عضضت شفتي السفلى ألماً ووضعت يديّ على رأسي. وقد فكرت حينئذٍ بكتابة مقالة أنتقد فيها المدونين أولئك، كي ينحرف تيار الشتائم في اتجاهي. وبالفعل كتبت مقالة بعنوان: "كبير... وإن أخطأ"، طالبت فيها المدونين بانتقاء مفرداتهم عند الحديث عن الكبير عبداللطيف الدعيج حتى لو كان مخطئاً، وقلت: "إذا كان على من ينتقد الوزراء الحرص على انتقاء مفرداته مرة، فعلى من ينتقد الديين أو الدعيج الحرص مليون مرة. فالوزراء يعيشون حياة كسرى، ما بين الأرائك وريش النعام، ومع ذا يقصرون تجاه واجباتهم، إلا ما ندر، بينما يقطع العظيمان رحلتي الحياة حافيين في مواجهة الشمس وريح السموم بحثاً عن الماء ليرشدانا إليه، ولم يقصرا يوماً أو يتخاذلا تجاه الوطن أو الشعب، وهما لو أرادا الأرائك وريش النعام لما أشكل عليهما الأمر، إلا أنهما آثرا السير حافيين من أجلنا، وها هما يعيشان حياة البسطاء، معتمدين على ما يتقاضيانه نظير مقالاتهما، وآه لو تعلمون كم هي المغريات المتناثرة في طريقيهما، ولو أنهما انحنيا، كما يفعل البعض الآن، والتقطا جزءاً من المغريات تلك لما شعر بهما أحد، لكنهما واصلا السير بشموخ. فهل هكذا يكون رد الوفاء؟ قطعاً، أنا لا أقول إن ذاتيهما مصونتان عن النقد، فالكويت أكبر من الجميع لا شك، بل أقول يجب انتقاء مفردات النقد وإزالة السواد والأتربة منها كما تفعل الأم مع حبات الأرز"... كتبت هذا، أو مثل هذا، لكنني مزقت الورقة وكتبت مقالة أخرى، ليقيني بأن الحماسة وحسن النية شوّشا الشبابَ المدونين أولئك، وسيزول التشويش هذا بعد فترة.

وكما قال محمود السعدني رداً على ضابط المباحث الذي أمره بالتوقف عن الكتابة بأمر من الرئيس السادات: "إزاي أسيب القلم، أنا لا أجيد أي شيء إلا الصحافة، فأنا ولدت صحافياً، وعشت صحافياً، وسأموت صحافياً، وسأبعث يوم القيامة في كشف نقابة الصحافيين"! والعظيمان، الديين والدعيج، ولدا وعاشا وسيموتان صحافيين شامخين. هكذا أزعم.

وغداً نواصل الحديث لنرى كيف نرد جزءاً من الجميل إلى هذين العظيمين، من خلال جائزتين سنويتين تحملان اسميهما، مخصصتين للشباب، واحدة لكتاب المقالات والأخرى للمدونين...

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء