الأزمات والفرص: كيف نستثمرهما؟

نشر في 07-06-2010
آخر تحديث 07-06-2010 | 00:01
 د. عبدالحميد الأنصاري الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة, اليوم في أسوأ حالاتها, باعتراف وزير التجارة الإسرائيلي الذي قال: إن وضع إسرائيل اليوم هو أسوأ منه في أي مرحلة سابقة, فأصبحت الحكومة الإسرائيلية مرتبكة "تتخبط في قراراتها" بعد العاصفة العالمية من الإدانات ضدها بسبب هجومها العدواني على قافلة الحرية, وقتلت أبرياء وجرحت العشرات وأرهبت الشرفاء الذين جاؤوا يحملون مساعدات إنسانية وطبية لنجدة شعب محروم من أبسط مقومات الحياة, جاؤوا لكسر هذا الحصار الظالم المفروض مند ثلاث سنوات إثر انقلاب "حماس" على السلطة, جاؤوا تلبية لنداء الضمير رافضين معاقبة شعب بأكمله بسبب نظامه السياسي.

 هزني مشهد ذوي الاحتياجات الخاصه على شاطئ غزة منتظرين وصول السفن للحصول على الكراسي الكهربائية، لكن العدوان قضى على آمالهم- في غزة 17 ألفا منهم بحاجة ماسة إلى تلك الكراسي- فاستنكرت كل شعوب وحكومات العالم الغارة الوحشية، وأدانوا جميعاً المسلك الهمجي للكوماندوز الإسرائيلي، لكن تداعيات العدوان أيضاً أرخت بظلالها على الداخل الإسرائيلي عبر انتقادات واسعة وعشرات المقالات في الصحف الإسرائيلية تدين العملية وتطالب باستقالة باراك، وتعالت الأصوات المطالبة بتشكيل ائتلاف حكومي جديد للتخلص من اليمين المتطرف من الحكومة.

 وبحسب بعض الاستطلاعات، فإن 60% من الإسرائيليين غير راضين عن معالجة الحكومة للقضية, حيث قالت رئيسة المعارضة "ليفني" إن الحكومة كررت الخطأ نفسه, إذ قررت السيطرة على سفن الحرية دون دراسة تبعات العملية، ومعرفة الواقع على السفن ودون توقع ردود الفعل عليها في العالم بعد العملية, فأصبحت الحكومة الإسرائيلية في عزلة دولية وداخلية.

 وقد أدركت ورطتها رغم مكابرة رئيس وزرائها في تبريره للحصار الظالم بقوله: إنه لولا هذا الحصار لكانت إيران نجحت في إقامة ميناء إيراني في غزة! وكذلك تبريره للهجوم بأن القوات الإسرائيلية أطلقت الرصاص دفاعاً عن النفس, لقد كذبته النائبة حنين الزعبي- النائبة العربية في البرلمان الإسرائيلي- التي كانت على ظهر السفينة مرمرة، وكشفت أن الكوماندوز أطلقوا الرصاص قبل عملية الإنزال, لقد كانت أمام الحكومة الإسرائيلية خيارات واسعة بدلاُ من الهجوم المسلح, فكان بإمكانها احتجاز القافلة وسحبها إلى موانئها أو السيطرة على قيادتها وتغيير مسارها أو منعها وسد الطريق أمامها.

 والأسئلة المطروحة هنا هي: لماذا اختارت أسلوب الهجوم المسلح؟ وهل كان نتنياهو مدركاُ لعواقب وتبعات هذا العمل؟ وهل كان مقدراً حجم ردود الأفعال داخلياُ وخارجياً؟ وكيف وقع في هذا الخطأ الأحمق والمنتقد حتى من أصدقاء إسرائيل الذين اضطروا للمطالبة بتحقيق دولي ورفع الحصار؟ بداية فإن اعتماد إسرائيل على أسلوب القوة المفرطة في حل قضاياها، أسلوب مسجل باسمها تاريخياُ, وشعارها كما يقول الروائي الإسرائيلي عاموس عوز: إن ما لا يمكن فعله بالقوة يمكن بفعله بقوة أكبر, ولإسرائيل في الجرائم والمجازر تاريخ طويل عبر ستين عاماً بحيث أصبح مسلكاً طبيعياً راسخاً، بل إن إسرائيل تفخر بجرائمها أحياناً, لذلك، فالقيادة الإسرائيلية لا تأبه برد الفعل العالمي، ولأنها قيادة متطرفة والمتطرف- عادة وبسبب تطرفه وعنفه واندفاعه- يستغلق كل عقله، فإن كل هم القيادة الإسرائيلية المتطرفة كان تحقيق أهداف معينة هي:

١- ترهيب قوافل الإغاثة: عبر معاقبة وترويع النشطاء المتضامنين مع أهل غزه برسالة دموية ترهب من خلفهم من الأقدام على تنظيم قوافل جديدة للإغاثة.

٢- تحجيم الطموح التركي: كانت إسرائيل تنظر بقلق إلى الدور التركي المتصاعد في المنطقة باعتباره دوراً يخدم المحور الراديكالي: إيران, سورية, حزب الله, حماس, وتجييش الراديكاليين الإسلاميين ضدها كما كانت غير راضية عن الدور التركي في الملف النووي الإيراني الذي رأت فيه طوق نجاة لإيران في مواجهة العقوبات الدولية.

٣- تقويض عملية السلام: حكومة نتنياهو ليست معنية بالسلام ولا المفاوضات، واضطرت لقبولها بضغط من الراعي الأميركي، وهي كما قالت عنها "ليفني": إنها حكومة تذهب إلى مفاوضات بغير رغبة، وكلما بدأت المفاوضات أتى من طرفها من يخربها, أرادت إسرائيل بهذه العملية، دفع الشارع العربي إلى الضغط على الحكومات العربية للمطالبة بوقف المفاوضات وسحب مبادرة السلام العربية, ولا أدل مما حصل في مجلس الأمة الكويتي حين دفعت الحماسة النواب لإقرار توصية بالانسحاب من المبادرة, ليتحمس الناطق الرسمي الوزير البصيري ويعلن الموافقة عليها باسم الحكومة فتحرج الحكومة الكويتية ويخرج الخرافي ليقول: التوصية غير ملزمة لأن الحكومة لم تصوت عليها, وقد أحسن محمد جاسم الصقر في كلمته الواعية حين قال "هل يعلم مجلس الأمة أن المبادرة العربية ليست مبادرة عفوية نشأت من فراغ ولا هي نتيجة رغبة فريق من العرب أرادوا السير في نهج السلام, إنها نتاج سياق طويل في قمة فاس 1982م إلى قمة بيروت 2002م، وهي المبادرة التي تحظى بإجماع عربي ويلتقي عندها التشدد والاعتدال لأنها تستند إلى قرارات الشرعية الدولية وتحرج إسرائيل وتضعها في موقع الرافض للسلام ".

 لقد قال الله تعالى "فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا" والأزمات مدارس نتعلم منها كما أن "الأزمات تولد فرصاً" تبعا لكيسنجر, والمهم اليوم أن نوظف ما حصل لمصالحة القضية, فكيف نجعل السحر ينقلب على الساحر؟ وكيف نقلب الأهداف الإسرائيلية إلى ضدها؟ وكيف نستثمر مناخ التعاطف العالمي لمصلحة كسر الحصار على غزة؟

أولاً: محاولة إسرائيل ترهيب قوافل الإغاثة، لم تجد شيئاً، بل ولدت إصراراً من قبل جهات دولية وعربية على تنظيم سلسلة من القوافل والأساطيل الجديدة, هناك اليوم باخرتان باسم (را شيل كوري) متوجهتان إلى غزة، فمادا تفعل إسرائيل؟ والبقية تأتي!

ثانياً: فك الحصار عن غزة: محاولة إسرائيل تشديد الحصار انقلب عليها، إذ اضطر نتنياهو إلى الإعلان بأنه مستعد لتخفيف الحصار البحري عبر إشراك أطراف دولية، كما تزايدت المطالبات الدولية بفك الحصار مما دفع الإدارة الأميركية للقول إن الحصار لم يعد مبرراً، وأخيراُ اتخذ وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الطارئ قراراً بتكليف لبنان بطلب اجتماع لمجلس الأمن لإلزام إسرائيل برفع الحصار, ومن جانبها فتحت مصر معبر رفح دون سقف زمني.

ثالثاً: عودة تركيا إلى محيطها العربي والإسلامي: "لقد كان أكبر اختراقات إسرائيل التاريخية للساحة الإسلامية كما يقول نبيل عمرو: كسب تركيا كحليف لها عسكرياً واقتصادياً وسياسياً" ولكن بعد هذا العمل العدواني أصبح الأتراك لا يرون إسرائيل حليفة لهم, قال أردوغان: لن تعود الأمور إلى سابق عهدها أبداً مع إسرائيل, لقد دفعت إسرائيل ثمناً باهظاً لهذا العمل العدواني في مقابل خسارة علاقة مميزة مع تركيا، وذلك لقاء نزوة سياسية عسكرية أملتها حسابات انتقامية، وهذا ما أريد تأكيده, إذ علينا استغلال هذه الفرصة الذهبية لتقوية وتوثيق علاقاتنا بتركيا وكسب الحليف التركي إلى صفنا, وكسر تحالفها بإسرائيل، ويجب استغلال هذه الفرصة قبل أن تضيع، لكن ليس في اتجاه المراهنة على حرب فعلية بين إسرائيل ودولة الخلافة، كما يقول صالح القلاب، إنما في أن يوحد الفلسطينيون قواهم وصفوفهم، وأن يتحرك العرب وبسرعة لاستصدار قرار دولي يعترف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس, لذلك أرى: أن التظاهرات حق والتنديد والاستنكار مطلوبان، وفتح المعابر وإنقاد الشعب المحاصر واجبان, لكن ما هو أجدى وأنفع وأكثر فاعلية, تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية, فهذا هو العمل الإيجابي الكبير الذي يكسر الغرور الإسرائيلي، فهل تستجيب "حماس" وتغلب المصلحة الوطنية العليا على المصلحة التنظيمية الضيقة؟

أطلق أبو مازن اسم "الحرية" على مؤتمر فلسطين للاستثمار ومنح الجنسية الفلسطينية لجميع شهداء وجرحى ومتضامني أسطول الحرية, ووجه تحية إلى الدور التركي وإلى قرار مصر بفتح المعبر, ومد يده إلى "حماس" داعياً إلى المصالحة, رداً على المجزرة، وقال: هذا الرد أفضل من كل أشكال الشجب والاستنكار والإدانة, مؤكداً أنه قرر إرسال وفد على أعلى المستويات إلى غزة لإتمام المصالحة, وأضاف: لا أعتقد أن هناك فرصة أهم وأكبر من هذه الفرصة- فهل تمد "حماس" يد المصالحة والتفاهم خصوصا أنها صرحت بموافقتها على دولة فلسطينية في حدود 67، وهي ممتنعة ومانعة لإطلاق الصواريخ وتريد علاقة بأميركا، مما يجعل خلافها مع السلطة من دون معنى، أم أن إيران ستدفعها لمزيد من التصلب بسبب العقوبات الدولية القادمة؟!

* كاتب قطري

back to top