كل هذا الذي يقوله البعض كان قد قيل عندما بدأت مفاوضات كامب ديفيد في أعقاب حرب تشرين الأول (أكتوبر) عام 1973، فالذين يتعاملون حتى مع قضايا على كل هذا المستوى من الجدية بطريقة "عنزة ولو طارت" يصرون على أن هذه التحركات كلها غير جدية، وأن الأميركيين يناورون، وأن كل ما يقومون به هو مجرد أضغاث أحلام، وأن اليمين الإسرائيلي سيحقق كل ما يريده، وأنه لا حلول قريبة ولا دولة فلسطينية مستقلة قريبة.
الآن هناك حديث جديد عن مفاوضات قريبة محددة زمنياً لترسيم الحدود النهائية للدولة المستقلة المنشودة، وهناك معالجة جدية لمسألة الاستيطان، وهناك خطة لتهيئة القوات الأمنية الفلسطينية لتعبئة الفراغ الذي سينشأ بعد انسحاب الإسرائيليين من الضفة الغربية، والآن هناك عمل دؤوب على خط حركة حماس لإقناعها بضرورة الاحتكام إلى انتخابات رئاسية وتشريعية في نهايات هذا العام لتكون مخرجات صناديق الاقتراع هي الشريك الفلسطيني في الانطلاقة الجديدة. ثم هناك ازدهار لا سابق له على جبهة العلاقات السورية - الأميركية، والمؤكد أن لعبة تنافس المسارات ستحل محلها جدية تلازم هذه المسارات، وهذا يعتبر التزاماً أميركياً بمضمون مبادرة السلام العربية، فالأمور اليوم لم تعد كما كانت بالأمس، والمتوقع، وبالتوازي مع التقدم الواضح على المسار الفلسطيني، أن يكون هناك تقدم قريب على مسار هضبة الجولان، وذلك رغم كل هذه التصريحات التي تشبه نعيق الغربان التي يطلقها بعض كبار المسؤولين الإسرائيليين لدغدغة عواطف الجبهة الداخلية الإسرائيلية. ولهذا وحتى لو غضب فرسان مقاومة التطبيع الذين يحاربون طواحين الهواء بسيوف خشبية، فإنه لابد من تذكير العرب بأن عليهم أن يكون أداؤهم بمستوى هذه اللحظة التاريخية، وعليهم إن كانوا جادين فعلاً في الوصول إلى ما طرحوه في مبادرتهم السلمية، أن يقدموا كل دعم يحتاج إليه الرئيس أوباما وإدارته لتحقيق حل الدولتين، ووضع حد للصراع في هذه المنطقة وفقاً للقرارات الدولية، وعلى أساس خارطة الطريق وأنابوليس ومبادرة السلام العربية. لقد دعا الموفد الأميركي جورج ميتشل الدول العربية إلى اتخاذ مبادرات إيجابية على طريق ما سماه التطبيع التدريجي مع إسرائيل في إطار السلام الشامل المنشود، مقابل بدء الإسرائيليين بالتعامل مع مسألة الاستيطان كخطوة نحو تحقيق هذا السلام الشامل، وهذا أمر يجب أن يتعاطى معه العرب بمنتهى الجدية، وعلى نحو لا يظهرهم بأنهم طرحوا ما طرحوه في مبادرتهم من أجل رفع العتب والانسجام المخادع مع التوجهات الأميركية المستجدة. قال ميتشل، وهو يتهيأ لجولة ستشمل بعض الدول العربية: "إننا لا نطلب من أحد أن يقوم بالتطبيع الكامل في هذه المرحلة... إن السلام الشامل يعني تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وبين إسرائيل وسورية ولبنان، ويعني تطبيع العلاقات بين الإسرائيليين وكل دول المنطقة"... وهذا يجب أن يؤخد بمنتهى الجدية، فالتطبيع المحدود المطلوب إذا كان مقابل التزام الحكومة الإسرائيلية بوقف الاستيطان والتزامها بأن تكون حدود الدولة المستقلة بصورة عامة هي حدود الرابع من يونيو 1967 فإنه خطوة إيجابية وفي الاتجاه الصحيح... فهل سيستجيب العرب؟! كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء
مقالات
فهل سيستجيب العرب؟!
30-07-2009