لا يمكن لي إلا أن أكون مع معارضي تعديلات الحكومة على قانوني المرئي والمسموع، وذلك لكوني من حيث المبدأ ضد معالجة أي مشكلة بأسلوب رد الفعل وبطريقة «السلق» السريع، بما في ذلك المشاكل الإعلامية التي «طفحت» وفاحت رائحتها أخيرا، مهما تحججت الحكومة بأنها تهدد الوحدة الوطنية وتثير الاضطرابات المجتمعية. فلطالما أثبت أسلوب رد الفعل أنه ناقص مريض سرعان ما تتضح علاته، وهذه المرة لن تكون استثناء، فسرعان ما ستظهر مثالب التعديلات الحكومية المقترحة في حال إقرارها، لأن ثقوبها وانكساراتها واضحة من الوهلة الأولى، فقد غلبت عليها العبارات الإنشائية حمالة الأوجه كعبارة «حظر نشر أو بث ما من شأنه إهانة أو تحقير مجلسي الأمة والوزراء» مثلا، والمصطلحات المطاطية الهلامية كمصطلح «الوحدة الوطنية» الواسع دون تعريف! لكنني وإن قلت ما قلت، سأتبع بالقول إن من الواجب علينا في المقابل، نحن من نعارض هذه التعديلات، وبالأخص النواب، أن نسأل أنفسنا بإنصاف وصدق، عما إذا كان يرضينا هذا الوضع «المنحط» الذي وصلت إليه بعض وسائل الإعلام والصحف، وهذا الفلتان الخطير من بعض مواقع الإنترنت والمدونات بدعوى أنها غير مشمولة بالقوانين الحالية؟!

Ad

ليس من المعقول أن نقبل ما تبثه بعض القنوات الفضائية من برامج وحوارات، تتطاول بها على عباد الله سواء من الكويتيين أو غيرهم، وعلى مختلف الفئات والطوائف، مهددة من خلالها أمن المجتمع واطمئنانه، بل مسيئة إلى علاقة الدولة بجيرانها، بدعوى أن هذه هي حرية التعبير وأن هذه هي ضريبة الديمقراطية، وأن نتغاضى عن عدم وجود قوانين قوية بما فيه الكفاية تلجم هذا الانحطاط، وعقوبات رادعة لكل من يمارس هذه الرذائل، وزاجرة لمن يفكر بالمشاركة فيها أو ممارستها!

ومن السقيم أن نقبل ونتحمل أن تتخذ بعض الصحف والجرائد أبواقا مأجورة تمارس التجريح وقذف الشتائم على مخالفيها وخصومها، لإدراكها أن أقصى ما يمكن أن يؤول إليه الأمر غرامة خمسة آلاف دينار لا أكثر، وذلك بعد شهور طويلة من التقاضي، ومثل هذا المبلغ التافه لا يعني شيئا للبعض ممن يغرفون في بحار من الأموال التي فاضت أصلا بالوسائل المشبوهة.

ومن السخيف جدا أن نقبل أن تمتلئ الإنترنت بمواقع كويتية مشبوهة تسمي نفسها صحفا إلكترونية حرة نزيهة، أو منتديات يدعي بعضها الوطنية، ومدونات صفراء يملؤها بالقيح والقيء أشباح يجبن بعضهم حتى على الكتابة بأسمائهم الصريحة، وتحمّل مسؤولية أقوالهم التي يزعمون أنها تعبير حر، أقول إن من السخيف أن نقبل بكل هذا، دون أن نفكر حتى بوضع معايير وضوابط، لا تصادر حق من يريد أن ينشر ويكتب على الإنترنت في أن ينشر ويكتب ما يريد، ولكن تلزمه في المقابل بتحمل مسؤوليته أمام القضاء، وأن تعطيني الفرصة كمتعرض ومتضرر من هذا التطاول أن أشتكيه وأخاصمه!

مختصر القول هو أن هذا العبث والانفلات الإعلامي الذي لم يسلم من شره لا شخص ولا فئة ولا طائفة، لابد له من معالجة صريحة وقوانين صارمة، لا تقمع الحرية ولكن تغلظ العقوبات على المتجاوزين وفقا لمعايير واضحة، فتردعهم عن تكرار الإساءات، وتزجر من يفكر بالاقتداء بهم والسير على مواطئ أقدامهم التي لا تسير إلا في الحضيض ومقالب القمامة، وأظن أن مسؤولية الإتيان بقانون مثل هذا تقع على عاتق البرلمان الذي نراه قد انشغل وتشاغل بدوره الرقابي على حساب دوره التشريعي الذي لا يقل أهمية، وذلك لأنه هو المسؤول أولا عن التشريع ووضع القوانين لا الحكومة.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة