تولى الشيخ عبدالله السالم الإمارة رسمياً في 25 فبراير 1950، وكان الشيخ أحمد الجابر قد تعرض لأكثر من ذبحة صدرية في السنتين الأخيرتين من حكمه، تم نقله في إحداها إلى مستشفى بعبادان- إيران للعلاج حيث توجد أكبر مصفاة نفطية في العالم، إلا أنه توفي وانتقل إلى رحمة الله في آخر الأمر في 29 يناير 1950 بعد حكم قارب 29 عاماً، أما لماذا تأخر اعتراف الإنكليز بعبدالله السالم قرابة الشهر فلذلك حديث آخر.

Ad

من المهم التوغل في تكوين شخصية عبدالله السالم الإنسان، فقد أدى «انسحابه» من المشاركة في الحكم، بسبب خسارته لمقعد الإمارة عام 1921 إلى التفرغ للسفر والترحال وربما التأمل. يقول الشيخ عبدالله الجابر رحمه الله في تسجيل لمقابلة لم يتم بثها عن عبدالله السالم إنه «ما يهمه إلا يونس نفسه» معتبراً ذلك من النقائص «قد يجوز» أن عبدالله السالم كان كذلك، كما أنه «قد يجوز» أن الحاكم الذي يحرص على أن «يونس نفسه» يحرص كذلك على أن «يونس شعبه» أو يريحه. ربما كان ذلك الانطباع الذي تكون عبر السنوات هو التحول الذي جعل عبدالله السالم أقل تزمتاً، وأقل تمسكاً بالحكم، وأكثر قابلية للتنازل، والتعامل مع الأشياء بمرونة كبيرة، أقول، ربما، فليس كل حريص على «وناسة نفسه» بالضرورة مكترثاً ومهتماً بوناسة الآخرين.

مرحلة التكوين السياسي والنفسي لعبدالله السالم بدأت منذ 1921، فبعد خسارته لمقعده في الإمارة، توالت الأحداث على الكويت، فكان أبرزها مؤتمر العقير 1922، الذي خسرت الكويت بموجب قراراته ثلثي مساحتها، بسبب تواطؤ بريطانيا وميلها لصالح إمارة نجد والحجاز ومملكة العراق. وقد نتج عن ذلك الترسيم الحدودي المجحف بحق الكويت بروز مشكلة الجمارك على البضائع الواردة من الكويت إلى نجد بما عرف حينئذٍ «بالمسابلة»، فرسوم الجمارك الكويتية هي الأقل في المنطقة وتعتمد عليها البلاد في تجارة الترانزيت. وبالمقابل كان ذلك الوضع يؤدي إلى خسارة بن سعود لدخل كبير من الجمارك المفقودة، وعبثاً حاول أن يصل إلى حل، حتى إنه اقترح تعيين لجنة لتحصيل الجمارك لابن سعود في الكويت يترأسها عبدالله السالم، إلا أن أحمد الجابر رفض ذلك المقترح، ما أدى إلى فرض حصار اقتصادي على الكويت كان له التأثير البالغ على حركة التجارة في الكويت. إلا أن أبرز محطة في تكوين عبدالله السالم السياسي والنفسي ربما كانت قد تمت من خلال رئاسته للمجلس التشريعي سنة 1938، وهو أول مجلس تشريعي منتخب في تاريخ الكويت، وكان يحمل توجهاً متوتراً مع الشيخ أحمد الجابر، فجاءت رئاسته للمجلس تعييناً، لتخفف حدةَ التوتر، وتكبح جماح بعض أعضاء المجلس من جهة، كما أنها أعطت مؤشراً آخر لتوتر العلاقة بين الشيخين عبدالله وأحمد من جهة أخرى، بعد أن حلّ الشيخ أحمد الجابر المجلس التشريعي بالقوة ثم سجن بعض أعضاء المجلس ومناصريه مدة أربع سنوات ونصف، وهم: عبداللطيف ثنيان الغانم، وسيد علي سيد سليمان الرفاعي، ومشعان الخضير الخالد، وصالح عثمان الراشد، وسليمان العدساني، ويوسف المرزوق، كما قُتل محمد القطامي وأُعدم محمد المنيس رحمهم الله جميعاً، ولندلل على تكوينه السياسي، وجدنا عبدالله السالم بعد توليه الإمارة يفسح لأعضاء المجلس، بل لن نجد ترابطاً في الأحداث أكثر دلالة من أن عبداللطيف ثنيان صار رئيساً للمجلس التشريعي الذي أصدر الدستور عام 1962، والذي يظهر في الصورة التاريخية الأكثر تداولاً وهو يسلم عبدالله السالم نسخة الدستور، وهو ذات الشخص الذي كان مسجوناً قبل 23 عاماً.

لاشك في أن الأحداث وتداعياتها التي سبقت توليه الحكم أسهمت إلى حد بعيد في صقل شخصيته، وتوجيهها ضمن مرجعية معينة، فلم يكن مستغرباً دعوته المبكرة إلى الانتخابات بعد توليه الحكم مباشرة، إذ طبق مبدأ الانتخابات للمجالس المتخصصة كالمعارف والبلدية والأوقاف سنة 1951. وربما كان ابتعاده عن السلطة قرابة 29 عاما جعله أقل تمسكاً بالسلطة، إذ أعلن للمقربين رغبته الجادة في الاستقالة في السنة الثانية من حكمه... فلماذا أقدم على تلك الاستقالة؟