يُعتبر اللقاء بالقاصّة والروائية العُمانية هدى الجهوري مفاجأة كبيرة بالنسبة إلى من لم يتعرّف إليها سابقاً، مفاجأة تتولد من تداعي الحوار والأسئلة المتواترة، التي انهمر بها الحضور في ملتقى الثلاثاء الثقافي.

Ad

قرأت الروائية الشابة مجموعة من نصوصها المنتقاة لتؤكد خصوصية الكتابة العُمانية، سواء على مستوى الشعر أو القصة، فنصها الأول من رواية "الأشياء ليست في أماكنها" يقود إلى نصها الثاني من الرواية ذاتها، ومن ثم النص الثالث بعنوان "صرار" من المجموعة القصصية "ليس بالضبط كما أريد".

لنجد أن الحكاية كلها تدور في كنف الأسطورة، أو الخيال المدعم بالمرويات الشعبية، وهو الأمر ذاته الذي تؤكده الكاتبة بقولها: "إنني محظوظة لأنني ولدت في عُمان، هذا الوطن المليء بالسحر والأساطير والحكايات الشعبية"، مشيرة إلى أن هذه المرويات تمثل مادة غنية بالنسبة إلى الباحثين عن الدهشة وتحفيز الخيال.

توارد الأسئلة

ومع سيل من الأسئلة والمداخلات التي حاصرت الكاتبة، نجدها تجيب بروح مرحة: "مشكلتي أنني أتحدث إلى أناس يعرفونني جيداً، فأنتم لم تتركوا جانباً خفياً من بداياتي أو ماضي الكتابة لدي، لكنها أسئلة تسعدني على أي حال".

وحول سؤال بشأن الصحافة الأدبية في عُمان وأثرها على إبداع الكاتبة، أشارت إلى أن العمل الصحافي كان فرصة جيدة للتقرب من القراء العاديين، واقتحام عوالمهم من دون لغة شعرية فضفافضة وغنية، وكان هذا السؤال الذي ألقت به القاصة باسمة العنزي مدخلاً جيداً للتحاور بشأن لغة الكاتبة وانتقالاتها من أجواء المجاز الكثيف والصورة المركبة إلى اللغة البسيطة السهلة التي تحمل الفكرة وتمنحها الاهتمام الكلي.  وأشارت الجهوري إلى أنها كانت تعتمد اللغة الشعرية المكثفة في بداياتها القصصية، كما هو واضح في مجموعتها الأولى، لكنها بعد التحاقها بالعمل الصحافي عام 2005 رأت أن هذه اللغة لم تعُد مدخلاً مناسباً للتحاور مع عامة القراء، ما جعلها تبحث تدريجياً عن لغة أخرى مبسطة، وتراكيب لغوية تعتمد الفكرة معياراً أساسياً للطرح بدلاً من الكثافة اللغوية.

استحضار ذهني

وكان لافتاً مقدرة الجهوري على مناقشة الحضور والتداخل معهم بثقافة عالية واستحضار ذهني سريع لكل جوانب المشهدين العُماني والخليجي، إذ إن القراءة الورقية لم تأخذ سوى بضع دقائق، بينما كان النقاش جله مباشراً شفهياً، تقفز من خلاله من نقطة إلى أخرى، سواء من حيث واقع الكتابة العُمانية الجديدة، وأسباب تغييب أسماء كبيرة عن المشهد العربي، وكذلك تأخر الكتابة الروائية التي لم تظهر سوى في أواخر الستينيات من القرن المنصرم.

وتحدثت الجهوري كذلك عن المؤسسات الثقافية في عُمان، وواقع المرأة الكاتبة، مؤكدة أن الكاتبات العُمانيات بدأن يتجاوزن عقدة الخوف، كما أن وطأة العادات والتقاليد بدأت تخف تدريجاً، ما جعل الكثيرات منهن يقبلن نحو الكتابة.

وحول سؤال بشأن أن جميع بطلاتها في النصوص المقروءة نساء، أجابت: أنا لا أكتب إلا ما أعرف، وعالم المرأة واقع أعرفه وأعيشه، لذلك يسهل الكتابة فيه، وهو السؤال ذاته الذي يجرنا إلى خصوصية الكتابة العمانية المغلفة بالحكاية الشعبية، إذ أكدت الجهوري أنه من الجيد والإيجابي أن ينطلق الكاتب من بيئته المحلية للوصول إلى كل أرجاء الوطن العربي، فليس مطلوباً من الكاتب العُماني الكتابة عن قضايا مستقاة من بيئات لأوطان أخرى، حتى يصل إلى قراء هذا القطر أو ذاك. بدوره، أشار الروائي إبراهيم فرغلي إلى ظهور جيل جديد من كتاب القصة في عُمان، لم يكن متوافراً قبل عشرة أعوام، وهو الجيل التالي لكتّاب القصة في تسعينيات القرن الماضي، وبحسب فرغلي فإن الرواية لم تكُن لتنضج في عُمان خلال فترة التسعينيات وقبلها، لكن الجيل الذي جاء بعد ذلك بدأ يتقدم بقوة.

وأبدت الجهوري اتفاقها مع تساؤل طرحه الأديب إسماعيل الفهد بشأن "نهاية المفارقة" في القصة العُمانية، مشيرة إلى أن أغلب الكتابات القصصية العُمانية تقوم على هذه التقنية الفنية، لكنها لم تُغفل الجانب الإيجابي لذلك، موضحة أن القفلة المفارِقة في العمل القصصي قد تكون إيجابية ومدهشة، أكثر بكثير من النهايات المفتوحة. وحول سؤال بشأن أجواء كتاباتها القصصية ومصادر شخصياتها وأبطالها، أجابت الجهوري بأنها تستقي قصصها من الأشياء المحيطة بها، والناس الذين تلتقيهم في كل مكان وتابعت بشيء من روح الدعابة: "يزعجني أن في رأس كل واحد منكم قصة لا أعرفها"، وهو الأمر الذي يؤكد حس الفضول و"التلصص" اللذيذ لديها.

تضمن اللقاء الذي أدارته القاصة استبرق أحمد الكثير من القضايا والأسئلة، التي يصب مجملها في المشهد الثقافي العماني الراهن.