حرب اهلية

نشر في 30-06-2010
آخر تحديث 30-06-2010 | 00:01
 أحمد عيسى يعاني المجتمع الكويتي منذ مدة حساسية مفرطة، كشفها تضاعف عدد وسائل الإعلام المحلية، التي ما إن تنقل خبرا أو تنشر معلومة حتى ندخل في دوامة مليئة بالتصريحات.

ولا يمكن توجيه الاتهام لأحد بعينه، فالكويت منذ 2006 بعد إقرار قانون المطبوعات والنشر ثم قانون المرئي والمسموع، تضاعف فيها عدد المطبوعات والقنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية الإخبارية وخدمات الرسائل القصيرة الإخبارية، كما لا يوجد حتى الآن مصدر موثوق لعدد وسائل الإعلام الكويتية الخاصة التي ظهرت بعد صدور القانون، وهذا بدوره جعل الكل يتنافس على الخبر المحلي بشكل شرس حوّل الصحافيين البرلمانيين إلى مندوبين يستنطقون النواب كل حسب «مانشيت» جريدته وتوجه ملاكها، لتلحقها الخدمات الإخبارية ثم المواقع الإلكترونية.

ما يحدث مزعج وبعيد عن المهنية، ونقد أداء وسائل الإعلام ليس محله هذا المقال، لأن ما يعنيني هشاشة المجتمع ومن خلفه أفراده، وتحول مجلس الأمة إلى مصدر إزعاج بدلا من كونه مؤسسة مهنية تضم صفوة المجتمع، وبسببه يتحول سؤال على ورقة امتحان إلى مشروع أزمة طائفية.

مجلس الأمة أصبح واجهة للتطرف الكويتي، فكل الأطراف ممثلة فيه، وكل طرف متحسس من الآخر، فيه صفوة متطرفين سنّة على شيعة على «قبليين وشوية حضر»، أوليس المفترض به أن يكون مخصصا للنخبة؟

نحن هذه نخبنا، متطرفون سنّة يريدون استتابة الشيعة، ومثلهم شيعة يخونون مواطنين فقط لأنهم سنّة، وتجار يحاربون منافسيهم، وشيوخ يوجهون من خلال صبيانهم، وكل هذا يحدث دون أن نرى ضابطا للإيقاع النشاز الذي نتعرض له كل يوم.

إن قيام البعض ببث سمومهم في المجتمع من زاوية مظلومية الشيعة بهدف تعزيز النفوذ، سيقابله حتما من الطرف الآخر من يواجهه وبالطريقة ذاتها لكن باتجاه مضاد، وبينهما سيضيع البلد وينشغل بحثا عن إجابة لسؤال في ورقة امتحان ثانوي، ويتخندق خلال ذلك أنصار كل فريق خلف زمرة في هذه الجولة من الحرب الطائفية.

هل يُعقل أن يؤدي سؤال امتحان ثانوية عامة إلى إشعال أزمة طائفية في الكويت؟ أليس استهتارا أن يرفع نواب رايات الحرب بسبب سؤال لم يقرؤوه أو يطلعوا عليه؟ ومنذ متى بلغنا هذا الحد من الحساسية؟ وإلى أين ستصل بنا الحال العام المقبل والذي يليه؟ إنها أسئلة أعجز عن الإجابة عنها، فكويت اليوم ليست الكويت التي أعرف أو تعرفت عليها من شفاه شققتها ملوحة مياه البحر.

يروي الرواة أن الأبوام الكويتية كانت تضم مزيجا من البحارة والغواصين، منهم السني ومنهم الشيعي، وجميعهم يسعون لتأمين حياتهم وتفادي عوز العيش قبل ظهور النفط، ومن بينها ما هو مملوك لسنّة ويعمل عليها غاصة وبحارة شيعة، والعكس صحيح، ولم نسمع عن محاولة أي منهم استتابة الآخر، أو تصحيح التاريخ على هواه، بل على العكس هناك «نهمات» في فن البحري تضم عبارات مديح لآل البيت، وهو فن طربي يؤديه البحارة وسط السفينة خلال مواسم الغوص والسفر.

استفزتني جملة «عقيدة أهل الكويت الصحيحة» التي أطلقها أحد النواب خلال زار الأسبوع الماضي، والموتور الذي رد عليه معتقدا أنه وحده لا يقبل سبّ الصحابة، فهل بيننا سوي يقبل بسب الصحابة؟ وأين؟ في الكويت التي توجد فيها حسينيات مقامة وسط مناطق سكنية تعتبر مجازا وفقا للتصنيف المقيت سنية، ومساجد سنية مشيّدة وسط مناطق شيعية، فلماذا الهوس الطائفي الذي هبّ علينا فجأة؟

مؤلم أن تقرأ افتتاحية جريدة تحرض علنا على النظام العام، ويتم التغاضي عنها، وأكثر منه أن يقال في دولة الكويت التي يحكمها دستور وقانون أن الشيعة لن يسكتوا بعد الآن، وكأنهم مواطنون أقل بدرجة من أقرانهم السنّة؟

الجميع يتحدث عن سيادة القانون، والدستور ينص على العدل والمساواة وعدم التمييز، لكن مع ذلك يأتي من يحاول جر البلد إلى حرب طائفية دون أن ينتبه إليه أحد، لأننا مشغولون بتوافه الأمور، وتصريحات النواب التي أصبحت أكثر من الهم على القلب.

الكويت بحسب ما أراه على مشارف حرب أهلية... كان الله في العون.

back to top