ماذا لوكانت «الرؤية» جريدة طائفية؟!
لم تكن «الرؤية» صحيفة حزبية بالمعنى الحرفي لهذه الكلمة، وفي الوقت ذاته لم تكن صحيفة مستقلة، ولم تكن صحيفة حكومية ولا معارضة، ولم تكن منغلقة ولا منفتحة، ولم تكن جريدة ملتحية ولا حليقة.
توقفت جريدة «الرؤية» عن الصدور لأسباب مالية، وهذا أمر متوقع لأن السوق الصحفية في الكويت لن تحتمل وجود هذا الكم الهائل من الصحف اليومية في الكويت، ولن يكون غريبا أبدا لو توقفت أكثر من صحيفة قبل نهاية هذا العام، ولو حاولنا تقييم تجربة جريدة «الرؤية» في سطر واحد لأمكننا القول: إنها جريدة تشددت في الاعتدال.فهي لم تكن صحيفة حزبية بالمعنى الحرفي لهذه الكلمة، وفي الوقت ذاته لم تكن صحيفة مستقلة، ولم تكن صحيفة حكومية ولا معارضة، ولم تكن منغلقة ولا منفتحة، ولم تكن جريدة ملتحية ولا حليقة، لقد أنهكها إمساك العصا من المنتصف حتى توقفت في منتصف الطريق. ولكن ماذا لو انتهجت جريدة «الرؤية» الخط السلفي المتشدد عوضا عن السلفية الناعمة التي كانت تحاول تقديمها؟ وماذا لو أمسكت العصا من طرفها، وأوغلت في التطرف، وتبنت الأطروحات الطائفية البغيضة، ودافعت بشكل أو بآخر عن التيارات الجهادية السنية؟ ألا يعد هذا الخيار الإعلامي- رغم رداءته- طريقا مضمونا لتحقيق نجاحات ساحقة على صعيد المقروئية، وعلى الصعيد المالي أيضا؟! طرح مثل هذا السؤال الافتراضي قد يفسر لنا حقيقة الوضع الإعلامي الخطير في الكويت وسائر دول الخليج، فالطائفية أصبحت تجارة إعلامية رائجة والتشدد- سنيا كان أم شيعيا- أصبح أسهل الطرق لتحقيق النجاح الإعلامي، ولو استعرضنا العديد من المشاريع الصحفية والتلفزيونية ذات التوجهات السنية أو الشيعية المتطرفة لاكتشفنا أنها ما كانت لتستطيع أن تحقق حضورها الكبير لولا تخليها عن مسؤولياتها الأخلاقية والوطنية، ومتاجرتها بالطرح الطائفي، ومهاجمتها الطرف الآخر، وسعيها الحثيث لنشر حالة الانقسام، وإشاعة روح الكراهية بين المسلمين!ومن المؤسف حقا القول إن قطاعا عريضا من الجمهور أصبح يتعاطف بقوة مع أي وسيلة إعلامية تتبنى الطرح الطائفي المتعصب، ودائما ما يتم تبرير الإقبال على وسائل الإعلام الطائفية بتشدد الطرف الآخر وإساءاته المتواصلة، وتجار الطائفية مثل تجار المخدرات قد لا يتعاطونها على الصعيد الشخصي لأنهم يدركون جيدا أضرارها، ولكنهم لا يجدون مانعا من ترويجها مادامت تحقق لهم المكاسب المالية والحضور السياسي والاجتماعي والتي لا يستطيعون الحصول عليها في الأحوال الطبيعية.في حسابات الصحافة لم تقدم جريدة «الرؤية» عملا صحفيا كبيرا، فقد كانت صحيفة «متوسطة المستوى»، ولكن في حسابات الوطن والمسؤولية المهنية أظن أن جريدة «الرؤية» تستحق الشكر والتقدير لأنها فضلت أن تتوقف عن الصدور، وتسريح المحررين على أن تسلك الطريق الرديء والخطير الذي يضمن لها موقعا في صدارة أرقام التوزيع.* كاتب سعودي