آمال: مذكرات غير مسكرات

نشر في 16-04-2010
آخر تحديث 16-04-2010 | 00:00
 محمد الوشيحي بعد موت عبدالناصر وأنور السادات، انتشر وباء في مصر اسمه "كتابة مذكرات عن ثورة يوليو"، واكتشف الناس أن الذين شاركوا في الثورة وكتبوا مذكراتهم أكثر من بقية سكان مصر، وظن البعض أنهم قوم يأجوج ومأجوج الذين لكثرتهم سيشربون البحر حتى يجف، فقد كتب البواب مذكراته عندما مر بجانبه عبدالناصر، وكيف خبأه في بير السلّم ليتربص بالملك فاروق وهو خارج من البقالة المجاورة، وكتب السبّاك مذكراته عندما تقرر تأجيل الثورة إلى حين تصليح حنفية مطبخ القصر الملكي، وكيف هرّب السلاح في البربيش، وأخفى الضباط الأحرار تحت البورسلان، وكتب عم حمزة الفاكهاني مذكراته عندما جاعت كتيبة الخيّالة المُكَلَّفة بحصار القصر، فتداركها عمنا حمزة بالبرتقال والموز والتفاح، ولولاه لماتت الكتيبة غير محسوف عليها، ولسقطت الثورة على ركبها.

وقد حدثنا الزملاء المصريون فقالوا: "ازدحمت مكتبات مصر بمذكرات الهبّاشين، غالبيتهم لم نسمع بأسمائهم من قبل"، وأحدثكم أنا فأقول إنها طبيعة عربية قحة، تضخمت فأصبحت طبيعة إسلامية، فكل شيء مربح يتم تقليده بعبط وهبل. لذا نُفاجأ بأن سلالة الرسول صلى الله عليه وسلم وذريته – هو وحده - أكثر من سلالة بقية قريش مجتمعين، والمتواضع هو من يدّعي أنه من سلالة أبي بكر الصديق أو عمر بن الخطاب أو حتى خالد بن الوليد، رضي الله عنهم. وطبعاً لن تجد أحداً ينتسب إلى أمية بن خلف أو إلى أبي جهل أو إلى أبي لهب، وكأنّ أمية وأبا جهل وأبا لهب كانوا يكتفون بتقبيل زوجاتهم، وبس، أو أن زوجاتهم كنّ يتناولن حبوب منع الحمل. وليت "أحفاد الرسول" يدّعون أنهم من سلالة بنات الرسول (ص) الأربع، لا، فجلهم من سلالة فاطمة رضي الله عنها، تحديداً، وكلهم من سلالة الحسين بن علي رضي الله عنهما.

ونصحني الأصدقاء أن أكتب مذكراتي، فوقعت في حيص بيص، وقيل بل حيص، وقيل بل بيص، وأسقط في يدي، ولا أدري ما الذي أُسقط فيها، لكنه المثل، وتحيّرت. صحيح أنني عشت في مصر سنين عدداً، إلا أنني، مع الأسف والأسى، لم أشارك في ثورة يوليو، فلم أكن يومذاك بواباً ولا سباكاً ولا فاكهانياً، ولم أكن من الأساس، أي لم أولد، ومع الأسف أنني لم أشارك في حرب الصامتة في الكويت، ولا حرب الجهراء ولا الصريف ولا حرب اليمن ولا حرب النجوم.

وليس أمامي إلا أن أكتب مذكراتي عن الحروب التي شاركت فيها، والمعارك التي خضتها ببسالة، أي معاركي مع النساء والصبايا، وحروبي في السفر مع نقص الفلوس والمصروف والانتقال من فندق فخم إلى فندق فحم، ومعاركي مع التكنولوجيا، وغزواتي مع وضد الصيّاع والضيّاع، ومعاركي مع التجارة والمال والأعمال، بدءاً من صفقة البرتقال التي فسدت كلّها إلا سبع برتقالات، وليس انتهاء بمطعم الفطير المشلتت الذي افتتحته في خيطان فخسر، فحولته إلى مطعم سمك شعبي، وتكدس الزبائن، لكنني كنت أخسر، وبعد المراجعة اكتشفت أن الطباخ كان يبيع السمك للزبائن بأقل من سعر شرائه، من باب جر الرِجل، واستغرقت مرحلة جر الرجل أربعة أشهر، فانهدم بيتي، وانهمرت دمعة على خدي، فمسحت المذكورة أعلاه، فانهمرت أخرى فمسحتها، فثالثة فرابعة فمليونة، وتكاثرت الدموع، والكثرة تغلب الشجاعة، ثم اقترح عليّ الطباخ الداهية أن نقتطع جزءاً من المحل لبيع البطاطين المستعملة، فانهدم بيته.

إذاً هي مذكرات مهمة، ليس أهم منها إلا اجتماعات القمة، سأنشرها على الحبل لتجففها شمس الجمعة من كل أسبوع. كان الله في عونكم.

back to top