ما كان بإمكان محمود عباس (أبومازن) إلا أن يفعل ما فعله، وأن يعلن عدم رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية التي من المفترض أن تُجرى في يناير المقبل، فما قالته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في المؤتمر الصحافي الذي شاركها فيه بنيامين نتنياهو لا يمكن احتماله، ولا يمكن قبوله، وهو دلَّ على أن إدارة الرئيس باراك أوباما قد أصبحت خاضعة، بالنسبة إلى استعصاءات الشرق الأوسط، خضوعاً تاماً لـ«اللوبي» الصهيوني في الولايات المتحدة.

Ad

لا يستطيع «أبومازن» الذهاب إلى مفاوضات نهائية مستثناة منها القدس، وهو حتى إن قبِل الإيضاحات الأميركية اللاحقة التي أكدت فيها إدارة اوباما أن المدينة المقدسة ستكون خاضعة للمفاوضات مثلها مثل القضايا الأخرى المطروحة، فإنه بحاجة إلى ضمانات حقيقية، وبحاجة إلى تفويض عربي، وذلك كي لا تتكرر تجربة تقرير «غولدستون» مرة أخرى.

إن مع «أبومازن» كلَّ الحق أن يكون حذراً، وأن يبقى متمسكاً بما يتمسك به، إنْ لم تتحقق النقاط الثماني التي أعلنها في خطاب إبداء عدم رغبته في خوض معركة الرئاسة المقبلة، وإن لم يمارس الأميركيون الضغط المطلوب على بنيامين نتنياهو لإلزامه بالإذعان لاستحقاقات السلام، وأولها الموافقة على أن تكون حدود الدولة المستقلة المنشودة حدود الرابع من يونيو عام 1967، بما في ذلك القدس الشريف، بالإضافة إلى قضايا الحل النهائي الأخرى، ومن بينها قضية اللاجئين.

هناك استجابة عربية لوجهة النظر الأميركية القائلة بأن الأهم هو أن تبدأ مفاوضات الوضع النهائي، وعدم إضاعة الوقت وهدره باستمرار هذا الجدل البيزنطي بشأن الاستيطان، فالبدء بمفاوضات الوضع النهائي على أساس مرجعية هي حدود الرابع من يونيو عام 1967 مع شمول القدس الشرقية بهذه المفاوضات هو الخطوة الأساسية، أما باقي ما تبقى فإنه مسائل ثانوية بالإمكان تجاوزها بسهولة من خلال عملية التفاوض.

وهنا فإن ما يشجع العرب على مثل هذه الاستجابة هو أن الأميركيين، بعد تصريحات وزيرة خارجيتهم غير الموفقة التي تلاءمت فيها تلاؤماً كاملاً مع وجهة نظر بنيامين نتنياهو، قد أدلوا بتوضيحات اعتُبِرَت مقبولة جداً، من بينها التأكيد مجدداً على عدم شرعية المستوطنات، وتأكيد أن القدس ستكون مشمولة بمفاوضات المرحلة النهائية مثلها مثل كل الأراضي التي احتُلَّت في حرب يونيو عام 1967، وأن الاستيطان لن يؤثر على الوضع النهائي للعملية السلمية.

لكن -رغم كل هذا- فإن «أبومازن» يبقى بحاجة إلى تفويض عربي على الأقل من قِبَل لجنة المتابعة التي تضم ست عشرة دولة عربية، والتي من المفترض أن تجتمع في القاهرة يوم الخميس المقبل، فدرس تقرير «غولدستون» لايزال ماثلاً للعيان، هذا بالإضافة إلى أن كل ما يتعلق بموضوع القدس بحاجة إلى مثل هذا التفويض الذي هو ضروري ولابد منه.

إنه من المحتمل وغير المستبعَد أن يراجع «أبومازن» قرار عدم رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، إن هو حصل على ضمانات أميركية بخصوص النقاط الثماني التي تحدث عنها، وإن بادر العرب إلى منحه التفويض الذي يريده للغوص في أوحال هذه القضية المعقدة، أما أن يُقال له: «اذهب أنتَ وربك فقاتلا إننا هاهنا قاعدون» فإن هذا سيجعل ما أعلنه هو الخيار الصحيح الذي لا خيار غيره.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة