أوباما وسياسة التوازن النووي

نشر في 14-04-2010
آخر تحديث 14-04-2010 | 00:01
إن التعهد بعدم البدء باستخدام الأسلحة النووية بموجب نظام مراجعة الموقف النووي يشتمل على فقرة تحوطية مهمة، فهو يلزم الولايات المتحدة بعدم استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها ضد الدول التي لا تمتلك أسلحة نووية، شريطة أن تظل هذه الدول ملتزمة بمعاهدة منع الانتشار النووي وغير ذلك من التعهدات المرتبطة بالمعاهدة.
 بروجيكت سنديكيت   لعل مسألة الأمن النووي، ومنع الانتشار النووي، والحد من التسلح النووي لم تكتسب طيلة تاريخها مثل هذه الأهمية التي ستكتسبها أثناء الثلاثية الاستراتيجية التي يشهدها هذا الشهر: إصدار آخر مراجعة للوضع النووي في الولايات المتحدة في السادس من أبريل، والتوقيع على معاهدة "ستارت" الجديدة (معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية) في الثامن من أبريل في مدينة براغ، وقمة الأمن النووي أثناء الفترة من الثاني عشر إلى الثالث عشر من أبريل، ثم تصب هذه الأحداث الثلاثة في مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار النووي في شهر مايو.

لقد أصبح الرئيس الأميركي باراك أوباما واحداً من أبرز الدعاة العالميين إلى إزالة الأسلحة النووية، وهو الموقف الذي كفل له الحصول على جائزة "نوبل للسلام" على نحو غير متوقع في العام الماضي، لكن تصرفات أوباما كانت في كثير من الأحيان مقيدة إلى حدٍ أعظم كثيراً مما يفترض كثيرون.

وفي عموم الأمر كان أوباما يلاحق سياسة قائمة على التوازن النووي حيث تسير خطوات نزع السلاح النووي جنباً إلى جنب مع التدابير اللازمة للحفاظ على التفوق النووي الأميركي. والجانب الأول من هذه المعادلة يسلط الضوء على التزام الإدارة الأميركية بالوفاء بتعهداتها بموجب معاهدة منع الانتشار النووي، في حين يؤكد الجانب الآخر تشكيك الكونغرس الأميركي والحلفاء في التوجهات الجديدة الجريئة.

وتسعى الإدارة الأميركية جاهدة من خلال السياسات التي تنتهجها في هذا السياق إلى تلبية طموحات دعاة نزع السلاح النووي العالمي على أكثر من نحو. فنظام مراجعة الموقف النووي، على سبيل المثال، يعمل على تقليص اعتماد الولايات المتحدة الأسلحة النووية من خلال تبني مبدأ عدم البدء باستخدام السلاح النووي. وهذا يعني أن الولايات المتحدة لن تفكر في استخدام السلاح النووي إلا في "الظروف القصوى"، وللمرة الأولى تتعهد الولايات المتحدة بعدم الرد بضربة نووية حتى في حالة تعرضها لهجوم بالأسلحة الكيميائية أو البيولوجية.

كما تلتزم الولايات المتحدة بموجب نظام مراجعة الموقف النووي بعدم تطوير أسلحة أو قدرات نووية جديدة. وستستمر إدارة أوباما في تعزيز دور وقدرات القوات الأميركية التقليدية في أداء المهام التي كانت موكلة فيما سبق للأسلحة النووية. فضلاً عن ذلك فقد تعهدت إدارة أوباما بعدم استئناف تجارب الأسلحة النووية بتفجيرها، وبالسعي إلى تنفيذ معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية من خلال ضمان التصديق عليها من قِبَل مجلس الشيوخ الأميركي وكل البلدان الأخرى. ومما يرمز إلى التزام الإدارة بالشفافية والانفتاح هو أن نظام مراجعة الموقف النووي يُعَد الوثيقة الأولى من نوعها التي يتم الكشف عنها بهذا القدر من الشفافية والوضوح.

وفي وصفهم لمعاهدة "ستارت" الجديدة يؤكد المسؤولون في إدارة أوباما حجم التخفيضات، فعدد الرؤوس النووية التي يجوز نشرها بموجب هذه المعاهدة 1550، أو أقل بنسبة 74% من حدود معاهدة "ستارت" الأولى في عام 1991، وأقل بنسبة 30% من السقف الذي تم تحديده في عام 2002 بموجب معاهدة موسكو. والحد الأقصى لعدد مركبات إيصال الأسلحة النووية الاستراتيجية أقل من نصف نظيره بموجب معاهدة ستارت الأصلية. وتصف الإدارة هذه السقوف الدنيا، وسعيها إلى اتخاذ تدابير أخرى للحد من التسلح، باعتباره وفاءً بالتزامات الولايات المتحدة في مجال عدم الانتشار ونزع السلاح بموجب معاهدة منع الانتشار النووي.

ومع ذلك فقد سعت الإدارة إلى مخاطبة مخاوف الأميركيين وحلفاء الولايات المتحدة الذين يخشون أن يتبع أوباما مساراً ساذجاً ومتهوراً نحو نزع السلاح النووي، ورغم موافقة أوباما على هدف إزالة الأسلحة النووية، فقد وصف هذا بالجهد الطويل الأجل، ولم يقدم جدولاً زمنياً ثابتاً لتحقيق تلك الغاية، ولم يتم تحديد موعد يطلب فيه أوباما من مجلس الشيوخ إعادة النظر في معاهدة حظر التجارة النووية.

وفي حين كان دعاة إزالة الأسلحة النووية يريدون من إدارة أوباما أن تعتبر الصِفر هدفاً لتخطيطها النووي، مع إلقاء عبء الإثبات على هؤلاء الذين يسعون إلى الاحتفاظ بالأسلحة النووية بهدف إنجاز مهام عسكرية أساسية، فإن نظام مراجعة الموقف النووي يفترض استمرار الأدوار والمهام النووية الحالية ما لم تتوافر الحجج المقنعة الكافية لإنهائها. فهو يفترض أن الولايات المتحدة "سوف تستمر في دعم القدرة النووية الآمنة الفعّالة بهدف تحقيق غاية الردع... ما دامت الأسلحة النووية موجودة".

ويؤكد نظام مراجعة الموقف النووي سياسة الردع النووي الموسع، التي تحتفظ الولايات المتحدة بموجبها بخيار توظيف الأسلحة النووية للدفاع عن حلفائها. بطبيعة الحال، هناك متشككون في مصداقية هذه السياسة، التي تلزم الولايات المتحدة من حيث المبدأ بالتضحية بنيويورك في الرد على هجوم على وارسو، أو تعريض لوس انجليس للخطر للدفاع عن تايبيه (عاصمة تايوان).

ولكن أنصار مثل هذه الضمانات الأميركية يعتقدون أنهم يثبطون أي نية اعتداء ويساهمون في منع الانتشار النووي عن طريق الحد من الحوافز لدى حلفاء الولايات المتحدة للسعي إلى امتلاك قدرات خاصة في مجال الردع النووي. وفي هذا السياق رفضت الإدارة النداءات المطالبة بسحب الأسلحة النووية التكتيكية الأميركية من أوروبا بقرار من جانب واحد، وأصرت على أنها لن تفعل ذلك إلا بموافقة البلدان كافة الأعضاء بمنظمة حلف شمال الأطلنطي (الناتو).

فضلاً عن ذلك فإن التعهد بعدم البدء باستخدام الأسلحة النووية بموجب نظام مراجعة الموقف النووي يشتمل على فقرة تحوطية مهمة، فهو يلزم الولايات المتحدة بعدم استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها ضد الدول التي لا تمتلك أسلحة نووية، شريطة أن تظل هذه الدول ملتزمة بمعاهدة منع الانتشار النووي وغير ذلك من التعهدات المرتبطة بمنع الانتشار النووي، وتعتبر إدارة أوباما كلاً من إيران وكوريا الشمالية خارج هذه الفئة.

ولقد استمرت المناقشات والمجادلات بين مفاوضي معاهدة "ستارت" من الجانبين الأميركي والروسي طيلة أشهر بهدف تجنب اللغة الملزمة قانوناً والتي قد تقيد الدفاعات الصاروخية أو استخدام الرؤوس الحربية غير النووية مع صواريخ باليستية بعيدة المدى. ورغم أن بعض مسؤولي الولايات المتحدة مازالوا متشككين بشأن هذه القدرات، فإنهم يدركون أن الكونغرس قد لا يصادق على معاهدة "ستارت" إذا تضمنت فرض قيود رسمية على هذه الخيارات.

وحتى مع انخفاض الأسقف بموجب معاهدة "ستارت" الجديدة، فستحتفظ الولايات المتحدة بالآلاف من الأسلحة النووية، فضلاً عن "الثالوث الاستراتيجي" الأميركي القديم الذي يتألف من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات التي يتم إطلاقها من البر أو من الغواصات، وقاذفات القنابل ذات القدرة النووية. والواقع أن الاحتفاظ بهذا الخليط يساعد في ضمان وجود ساق قادرة على التهديد بالرد الانتقامي الكافي في حالة تعرض الساق الأخرى للخطر نتيجة للتطورات التكنولوجية. وستسعى الولايات المتحدة إلى ضمان جدارة أسلحتها النووية بالثقة عن طريق إنفاق مليارات الدولارات على تحسين البنية الأساسية لأسلحتها النووية وإجراء الاختبارات التي لا تشتمل على تفجيرات نووية.

إن قمة الأمن النووي تلعب دوراً أساسياً في الربط بين الفرعين اللذين تتألف منهما سياسات أوباما النووية، والواقع أن الأميركيين الليبراليين والمحافظين، علاوة على حلفاء الولايات المتحدة وأصدقائها، يفضلون مبدأ تعزيز أمن المواد النووية الخطيرة والحد من خطر الإرهاب النووي، الذي قد يهدد أي إنسان على وجه الأرض.

لقد قدم أوباما ابتكارات مهمة في السياسة النووية التي تنتهجها الولايات المتحدة، ولكن مازال استمرار السياسات القديمة يشكل أهمية كبيرة، ونظراً للمخاطر فإن الاستمرار في الاعتماد على التوجهات الثابتة، حتى مع محاولة الترويج لعالم يحتوى على عدد أقل وأكثر أماناً من الأسلحة النووية، يشكل استراتيجية حكيمة.

* ريتشارد فايتز، كبير زملاء ومدير مركز التحليل السياسي والعسكري في معهد هدسون.

"بروجيكت سنديكيت" بالاتفاق مع "الجريدة"

back to top