ما قل ودل: نقاط تحول في مسار الاستجوابات
لم يعد حل مجلس الأمة مع إجراء انتخابات جديدة خلال ستين يوما، وتكرار هذا الحل في أوقات متقاربة، خيارا ناجحا أو ناجعا بعد أن أصبح أمرا مرهقا ومكلفا للحكومة والنواب في آن واحد، ومعطلاً للعملية التشريعية ولعملية التنمية بوجه عام. النهاية السعيدة للاستجوابات الأربعة التي قدمت إلى كل من سمو رئيس مجلس الوزراء والسيد وزير الداخلية والسيد وزير الأشغال العامة والدولة لشؤون البلدية والسيد وزير الدفاع، قبل عيد الأضحى مباشرة، ومناقشتها جميعاً في جلسة واحدة امتدت إلى اليوم التالي، هي نهاية تدعو إلى التفاؤل في أن يأخذ الاستجواب مساره الطبيعي، باعتباره أرقى وسائل وأدوات الرقابة البرلمانية، وأنه وسيلة لإصلاح أداة الحكم وتقويم أي اعوجاج في تسيير أموره، بالرأي والنقد المخلص البناء، لكل إفراط أو تفريط في استخدام السلطة، لتواصل التجربة الديمقراطية مسيرتها بحكمة دون أن تخطئ الهدف أو تضل الطريق في ظل تعاون السلطتين التشريعية والتنفيذية من أجل مستقبل أفضل لهذه التجربة، التي تعتبر واحدة من أفضل التجارب الديمقراطية في المنطقة العربية، لأنها تقوم على تمثيل صحيح للأمة مصدر السلطات جميعاً عبر انتخابات حرة ونظيفة تحت إشراف قضائي كامل.
والواقع أن هذه الاستجوابات الأربعة قد سجلت، فوق النجاح الذي أحرزته الحكومة بالقرارات التي أصدرها المجلس، نقاط تحول كبيرة في استخدام الحق الدستوري في الاستجواب، ومن هذه النقاط: النقطة الأولى: إن مواجهة الحكومة للاستجوابات والتعامل معها، قد أصبح الخيار الوحيد أمامها، فلم يعد حل مجلس الأمة مع تعطيل الحياة النيابية خيارا وارداً أو مقبولا من الشارع الكويتي، فضلا عن تناقضه مع مرحلة التحول الديمقراطي التي أصبحت مطلب المجتمع الدولي من الدول النامية. وإن تجربة حل مجلس الأمة في الفصل التشريعي الخامس، وتعطيل بعض نصوص الدستور وتعطيل الحياة النيابية لمدة جاوزت الست سنوات، إثر تقديم أربعة استجوابات في 24/6 و1/7/86 إلى وزراء النفط، والمالية، والمواصلات، والتربية والتعليم، لم تكن حائلا دون الإسراف في تقديم الاستجوابات والغلو في توجيه الاتهامات إلى الوزراء وتأزيم العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. النقطة الثانية: لم يعد حل مجلس الأمة مع إجراء انتخابات جديدة خلال ستين يوما، وتكرار هذا الحل في أوقات متقاربة، خيارا ناجحا أو ناجعا بعد أن أصبح أمرا مرهقا ومكلفا للحكومة والنواب في آن واحد، ومعطلاً للعملية التشريعية ولعملية التنمية بوجه عام. كما أثبتت تجربة هذا الخيار، وتكرار حل مجلس الأمة، أن الحل لم يعد يصلح لأن يكون حلا، فقد تم حل مجلس الأمة في يونيو 1999 ويونيو 2006 وفي ديسمبر 2008 وفي مارس 2009، إثر استجوابات قدمت إلى الوزراء وقدم بعضها إلى سمو رئيس مجلس الوزراء، ومع ذلك استمر تقديم الاستجوابات بل قدمت الاستجوابات ذاتها التي تسببت في حل مجلس الأمة إلى المجلس الذي أعيد انتخابه. النقطة الثالثة: إن النتائج التي حققتها الحكومة من المواجهة كانت هي الأفضل من حل مجلس الأمة أو استقالة الحكومة بل كان الأكثر إثارة، هو حصول سمو رئيس مجلس الوزراء على تأييد 35 نائباً في التصويت على الاقتراح بعدم إمكان التعاون مع سموه، وهو الأعلى عدداً في تأييد أي وزير فاز بثقة المجلس، فقد كان التأييد الذي حصل عليه الوزراء السابقون في الاقتراحات بسحب الثقة هو 30 صوتاً للسيد محمد ضيف الله شرار، و26 صوتاً لكل من د. عادل الصبيح ونورية الصبيح، و25 صوتاً للسيد محمود النوري، و22 صوتاً لكل من السيد خالد العدساني ود. يوسف الإبراهيم، و17 صوتاً للمرحوم الدكتور أحمد الربعي.ولم يحصل الاقتراح بعدم إمكان التعاون مع سمو رئيس مجلس الوزراء إلا على موافقة ثلاثة نواب بالإضافة إلى العشرة الذين قدموا الاقتراح بعدم إمكان التعاون. وحصل الشيخ جابر الخالد وزير الداخلية على ثقة 26 نائباً مقابل 19 نائباً وافقوا على اقتراح بسحب الثقة وامتناع أربعة نواب عن التصويت. النقطة الرابعة: ولم يعد خيار مناقشة الاستجواب خيارا مستبعدا أو مستهجنا، فقد وافق مجلس الأمة على عقد جلسة مناقشة استجواب كل من سمو رئيس مجلس الوزراء، ومعالي وزير الدفاع في جلسة سرية، وهي المرة الأولى التي يناقش فيها الاستجواب في جلسة سرية منذ بدء الحياة البرلمانية، وهو ما يعد إنجازاً للحكومة والمجلس في مسار الاستجوابات، للحد من التوتر والاحتقان السياسي والتأزيم الذي ينجم عن الصخب الإعلامي الذي يصاحب الجلسة العلنية. فلم يسبق مناقشة أي استجواب منذ بدء الحياة النيابية في جلسة سرية، وأن الاستجواب الوحيد الذي وافق مجلس الأمة في 16/6/1998 على مناقشته بجلسة سرية بموافقة أكثر من ثلثي الأعضاء، لم تتم مناقشتة بسبب انسحاب مقدمه، احتجاجاً على قرار المجلس بعقد الجلسة سرية.وجدير بالذكر أن عقد جلسة الاستجواب سرية سلاحٌ ذو حدين، أحدهما الضرر الذي يلحق بالوزير من جراء حرمانه من الرد على الاستجواب علناً بعد أن تمّت محاكمتة علناً على صفحات الصحف وفي الديوانيات، إثر تقديم الاستجواب الذي حفل باتهامات للوزير بالإخلال بواجبات وظيفته، أو التقاعس أو الإهمال في أدائها أو ارتكابه إحدى جرائم القانون العام، بما ينطوي على إخلال بحق الدفاع الذي يعتبر أصل الحريات جميعا.وللحديث بقية في مقال قادم بإذن الله، إن كان في العمر بقية. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة