في الأسبوع الماضي، كان وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس ضيفاً على السعودية والإمارات، محاولاً إقناع الدولتين باستغلال نفوذهما في الضغط على الصين، لانتزاع موافقتها على فرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي المثير للجدل.

Ad

وحين ختم غيتس محادثاته في أبوظبي مساء الخميس الفائت، قال للصحافيين: "لديّ شعور بأن هناك رغبة لدى السعودية والإمارات لاستخدام نفوذهما بصفتهما دولتين منتجتين للنفط لإقناع الصين بالموافقة على فرض عقوبات جديدة على طهران"، وهو الأمر الذي سارعت الرياض إلى نفيه أمس الأول الجمعة؛ حيث نقلت وكالة الأنباء السعودية (واس) عن "مصدر مسؤول" قوله: "إن هذا الموضوع غير صحيح، ولم يتم بحثه خلال زيارة الوزير الأميركي للمملكة".

يصعب جداً تفهم الأسباب التي دعت غيتس إلى التصريح بما صرح به في هذا الإطار، خصوصاً أن هدف الولايات المتحدة من خلال جهودها الرامية إلى تطويق مخاطر احتمالات امتلاك إيران سلاحاً نووياً يجب أن يكون حشد الأدوات الدبلوماسية اللازمة بالتنسيق مع الحلفاء والشركاء في هذه المرحلة، لا الضغط عليهم أو الإضرار بمواقفهم.

أما الموقف السعودي الذي تمثل في النفي القاطع والسريع لما قاله الوزير الأميركي، فيمكن بالطبع تفهمه، خصوصاً إذا علمنا أن إيران أعلنت، في الأسبوع الماضي نفسه، توقيع مذكرات تفاهم أمنية مع الكويت وعُمان وقطر "ضمن إطار الدفاع المشترك"، وهي المذكرات التي قالت عنها وكالة الأنباء الإيرانية إنها "تعود بالنفع على تلك الدول، وتمنع استخدام أراضي أي منها لتهديد إيران والعكس".

لا يبدو أن دول الخليج العربية قد بلورت استراتيجية مشتركة للتعاطي مع التهديد الإيراني من جانب، ولا مع التطورات المتسارعة على صعيد التنازع الأميركي- الإيراني من جانب آخر، لذلك فهي تتخبط وتنتهج سياسات متعارضة في كثير من الأحيان.

يعد قيام أي دولة خليجية بتوقيع اتفاق أمني مع دولة أخرى بشكل يحقق لها مصالح معينة أو يمنع عنها تهديدات مفترضة، حقاً سيادياً لا يجب أن ينازعها فيه أحد، كما أنه يحق لأي دولة خليجية أيضاً أن تنسق مواقفها مع الأطراف الدولية والإقليمية المختلفة بما يضمن لها تحقيق الأمن وتفادي التهديدات والمخاطر، لكن دول الخليج العربية يجب أن تمارس مثل هذه الحقوق بدرجة من التنسيق والتفاهم فيما بينها.

لا شك أن الدور الدولي والعربي في تحرير الكويت من براثن الغزو العراقي كان دوراً مؤثراً وأساسياً ومحورياً، وهو إلى جانب التفاف الشعب الكويتي حول قيادته الشرعية وتمسكه بسيادته على أراضيه وصلابته في الدفاع عن حريته واستقلاله كان العامل الأهم في تسريع التحرير وإزالة آثار العدوان الآثم، لكن الإنصاف يقتضي القول إن هذا الإنجاز لم يكن ليحدث أبداً لولا الموقف الخليجي المتماسك والموحد والصلب والفعال.

لم ينجح مشروع الدفاع الخليجي المشترك في التحقق، كما يبدو أن حلم إنشاء جيش خليجي مشترك بدأ في التبخر، وثمة نزاعات ومشاحنات بين بعض دول مجلس التعاون الست تنشأ أو تظهر من حين إلى آخر، لكن ما يبدو أنه سيظل يقيناً راسخاً هو أن اللحمة الخليجية هي أساس الأمن الخليجي، وأن التهديدات والمخاطر التي تحيق بدول المجلس واحدة، وأن التجانس والتلاحم الواضح جغرافياً وثقافياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً بين تلك الدول هو الحقيقة الأكثر وضوحاً والدرع التي يمكن أن تحمي وتصون.

تحتاج دول الخليج العربية إلى عقد قمة طارئة في أسرع وقت ممكن، تحت عنوان تنسيق المواقف الأمنية والسياسية والاستراتيجية في مواجهة المخاطر التي تحدق بالمنطقة من جراء تصاعد النزاع الإيراني-الغربي واتخاذه منحى خطراً سواء فيما يتعلق بتصعيد العقوبات على طهران أو الانجرار إلى حرب قد تجلب كوارث أمنية على المنطقة ودولها.

يجب ألا يتم الانتظار إلى نهاية العام لعقد قمة خليجية دورية تكون ملزمة بالنظر في الكثير من المواقف والقرارات والمشروعات السياسية والاقتصادية والسكانية والثقافية والتكاملية، كما يجب ألا تظل دول الخليج على ارتباكها هذا في التعاطي مع التهديد الإيراني والتضاغط بين طهران وواشنطن من دون استراتيجية واضحة وحذقة وملزمة.

سيكون من السهل على إيران الاستفراد بدولة خليجية أو أكثر والحصول منها على تنازلات أو مواقف قد تضر لاحقاً بالاستراتيجية الأمنية الخليجية، كما ستجد الولايات المتحدة فرصاً أكبر للضغط على بعض الدول الخليجية الأخرى، وربما حرفها نحو مواقف غير محسوبة إذا شعرت تلك الأخيرة بأنها تُركت وحيدة لتواجه التهديدات الإيرانية المحتملة.

دول الخليج العربية تبدو عزلاء من استراتيجية أمنية وسياسية واضحة وواحدة في مواجهة تصاعد مخاطر التهديدات والحرب؛ فيذهب عدد منها إلى توقيع اتفاقيات أمنية منفردة مع إيران، ويسعى آخر إلى عقد اتفاقيات أمنية وإقامة قواعد عسكرية لقوى غربية على أراضيه، فيما يعقد بعضها اتفاقيات أمنية مع العدوين اللدودين على طريقة "إرضاء الشيطان والرحمن في آن"، ويتخبط بعضها الآخر غير قادر على المضي قدماً في إجراءات الوقاية ولا الانتظار في العراء من دون مظلة حماية.

أفضل ما يمكن أن تفعله دول الخليج الآن أن تعقد قمة طارئة مخصصة فقط لحسم الاستراتيجية الخليجية حيال التهديدات الأمنية والسياسية التي يجلبها المشروع النووي الإيراني والاستهداف الغربي له، وأفضل ما يمكن أن تنطوي عليه هذه الاستراتيجية هو الالتزام بسياسة أمنية خليجية واحدة ومحددة، ترفض استخدام أراضي دول الخليج العربية في تسهيل أي اعتداء على إيران، وتعلن تكريس كل جهودها، بالتعاون مع المجتمع الإقليمي والدولي، لإقناع إيران بالتخلي عن طموحاتها النووية العسكرية بالدبلوماسية أو بالعقوبات.

الارتباك الخليجي الراهن لن يهيئ الأمن لدولة ولا النجاة لأخرى إذا وقعت الحرب الكارثية، ولكنه سيغري الآخرين بالمضي قدماً في سياساتهم الحادة والاستعلائية، أما الموقف الاستراتيجي الخليجي الواحد، فسيقلل المخاطر إلى أقصى درجة ممكنة، وسيردع القوى الطامعة، وسيشكل المظلة والضمانة الأكثر نجاعة لاحتواء أي تداعيات سلبية قد تفرضها ظروف الصراع وعواقبه غير المحسوبة.

* كاتب مصري