هل تعاني الثقافة في الكويت من مشكلة فُرقة، أو تحزبات، وتجمعات ينفر بعضها من بعض؟ لا أميل كثيراً إلى نظرية المؤامرة، ولا أحب كلمة «ينفر» هذه، ولكن السؤال بدأ يلح علينا من منطلق متابعتنا للمشهد الثقافي المحلي.

Ad

في حوار سابق أجريناه مع الشاعر الشاب سامي القريني ذكر ما نصه: «الساحة الثقافية متوترة، وكل فئة تشكل حزباً، للأسف أقول لك إن الثقافة في الكويت أصبحت كسياسة «المافيا». قد لا يكون القريني وحده من يشعر بهواجس كهذه، مبدعون كثر يقولون ذلك في جلساتهم الخاصة، وعلى أرصفة المقاهي.

أعضاء ورشة السهروردي يندر أن نجد لهم وجوداً أو مساهمة في أنشطة ملتقى الثلاثاء الثقافي، أقول ذلك وأنا متيقن أن الورشة أنتجت فعلاً ثقافياً جيداً، من خلال إصداراتها المتعددة. وترجمتها كتاب «مولد التراجيديا» وهو الكتاب الذي أحسب أنه جهد ثقافي يستحق الإشادة، ولكن أين هم من أنشطة التجمعات الثقافية الأخرى؟

رابطة الأدباء هي الأخرى تحوي موسماً ثقافياً غنياً في كثير من الأحيان، ولكن لا نجد لأعضائها حضوراً في ملتقى الثلاثاء ولا مساهمة في أنشطته، على الرغم من أن مجلس إدارة الرابطة الجديد يقوم على عاتق مجموعة من الشباب المبدعين الذين تربطهم علاقات جيدة بالمجموعات الأخرى، إلا أن الرابطة يغلب عليها الفعل المؤسسي الحكومي، وهي مسكونة بهاجس المواطنة الذي قد لا يكون مفيداً كثيراً في الحقل الثقافي، لأن الكويت تحوي بين جنباتها مبدعين كثرا من جنسيات أخرى، حتى وإن أعلنت أخيراً أنها تسمح للأدباء الوافدين بعضوية شرفية أو ما شابه.

ملتقى الثلاثاء ذاته يمارس نشاطاً ثقافياً أسبوعياً، وهو نشيط إلى حد يحرك كثيراً من المياه الراكدة. ولكن أعضاءه - وعددهم لا بأس به- لا يحضرون الفعاليات التي تقيمها رابطة الأدباء أو المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

«نادي أوراق» يحوي مجموعة من الشباب الذين يتجمعون لمناقشة كتاب محدد بعد قراءته. أعضاؤه كذلك لا وجود لهم في أنشطة الرابطة، أو مساءات ملتقى الثلاثاء. في لقائهم الأخير لمناقشة «رواية عزازيل» لم يقدم أي منهم ورقة مكتوبة في الرواية، كان الأجدر تقديم عمل مكتوب لربما ينشر في الصحافة، ليستفيد منه الجميع بدلاً من إبداء الآراء الشفوية فحسب. الكتابة فعل يساعد على المران الأدبي وترتيب الأفكار. وهي مرحلة متقدمة من المعرفة وتختلف عن «المناقشة الشفوية»

«مركز حوار» يقدم نشاطاً فكرياً فلسفياً واجتماعياً، له مجموعة من الإصدارات التنويرية، يحوي في عضويته شباباً ذوي ثقافة عالية. وكانت ندوة التنوير التي عقدت على يومين واستضافت المفكر محمد أركون فعلاً ثقافياً مشهوداً من حيث الحضور الجماهيري.

الطريف أن أعضاء التجمعات الأربعة التي ذكرتها لا يحضرون أنشطة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وهو الجهة الرسمية الأولى للفعل الثقافي في الكويت. يعاني المجلس كثيراً من مسألة غياب الجماهير، وكان ذلك جلياً خلال فعاليات «صيفي ثقافي 4» خصوصاً الأدبية منها، إذ إن عدد الحضور لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.

ثمة حراك ثقافي جيد في الكويت، ومجموعات تبذل جهداً كبيراً ولكن لا تفاعل بين هذه التجمعات بعضها مع بعض. يعيش المثقف في عزلته، ويمارس نشاطه بعيداً عن ضجة المناسبات والتجمعات الثقافية. هل أقول إن الثقافة هي هكذا نشاط يخلو من الجماهير، هل أقول إن طقس الكويت يساعد على حالة الغياب هذه؟