تمادت كثيراً هذه المنظمات التي ليس معروفاً من يشكلها، وكيف تتشكل ومن بينها "هيومن رايتس ووتش" و"فريدوم هاوس"، في التدخل في الشؤون الداخلية للعديد من الدول العربية، خصوصاً ذات الملامح الديمقراطية، ولعل ما أصبح غير محتملٍ ولا يطاق أن هذا التدخل بات يتخذ طابعاً فجّاً وبات يمس السيادة الوطنية ويؤثر في بعض الأحيان على العديد من المواقف والقرارات والتوجهات السياسية ذات الطبيعة الحساسة.

Ad

قد يكون مقبولاً أن تنبه هذه المنظمات إلى تجاوز للحريات العامة، وأن تدافع عن صحيفة أوقفت أو صحافي كُسِر قلمه أو حزب حرم من حرية التعبير، أما أن تحشر أنفها في قضايا سياسية ذات طبيعة سيادية، فإن هذا لا يمكن قبوله ولا احتماله، فهو يذكر بفترة غابرة عندما كان المندوبون السامون للدول المستعمرة يتدخلون في أصغر وأكبر شأن من شؤون الدول التي ابتليت بالاستعمار الأوروبي البغيض.

في آخر تدخل لها في الشؤون الداخلية الأردنية طلبت هذه الـ"هيومن رايتس ووتش" من الحكومة الأردنية توضيح معنى تعليمات فك الارتباط ما بين الأردن والضفة الغربية وفقاً للقرار الذي صدر في عام 1988، وهنا فإن ما لا يمكن احتماله أن هذه المنظمة طالبت أيضاً بمراجعة دستورية لهذه التعليمات، وهذا غير مقبول على الإطلاق، ويعتبر تدخلاً في شأن داخلي لدولة ذات سيادة، هي وحدها التي تقرر بالنسبة إلى هذه الأمور السيادية.

إنه ليس من حق هذه المنظمة ولا من حق غيرها أن تحشر أنفها على هذا النحو السافر في مثل هذا الشأن الداخلي الأردني، ولا أن تنصب نفسها وصيّاً على الأردن وتدعو الحكومة الأردنية إلى وقف ما أسمته سحب الجنسية من الأردنيين من أصول فلسطينية، وتطالب بتشكيل لجنة وتكليفها بإجراء مراجعة مستقلة (يا سلام)! لجميع الحالات التي سحبت منها الجنسية بناء على قرار فك الارتباط.

كان على هذه المنظمة التي تمادت أكثر من اللزوم أن تعرف لو أن نواياها طيبة أن حشر أنفها بهذا الشكل السافر، وعلى هذا النحو في هذه المسألة، يقدم خدمة إلى المخططات الإسرائيلية الهادفة إلى إلغاء الهوية الفلسطينية وإلغاء الفلسطينيين استناداً الى تلك الكذبة التاريخية، "شعب بلا أرض لأرض بلا شعب"، التي صدقها الأوروبيون، والمقصود هنا الدول الاستعمارية لا الشعوب.

إن الأردن غير ملزم بتبرير سياساته المتعلقة بسيادته ومستقبله ومستقبل القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، لا لهذه المنظمة ولا حتى للأمم المتحدة ولا لأي جهة وأي كائن من كان في العالم بأسره، وعلى "هيومن رايتس ووتش" أن تعرف أن هذا ليس من شأنها، وأنها إذا تمادت في العزف على هذا الوتر فإننا سنضطر إلى اتهامها بالعمل لحساب اليمين الإسرائيلي الذي يسعى إلى تذويب الشعب الفلسطيني في دول المحيط من أجل ألا تقوم دولته المستقلة ومن أجل إلغاء حق العودة إلغاءً عملياً على أرض الواقع.

إن على هذه الـ"هيومن رايتس ووتش" إذا كانت صادقة أن ترفع راية عودة هؤلاء، الذين تريد من خلال ما تطالب به تذويب هويتهم الوطنية على نحو لا يخدم إلا الأهداف الإسرائيلية، إلى وطنهم فلسطين وأن تدافع عن الفلسطينيين الذين يهانون في اليوم ألف مرة على حواجز الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، وعن فلسطينيي عام 1948 الذين تعاملهم إسرائيل كمواطنين من الدرجة العاشرة وتحرمهم بناءً على هذا من الحقوق المدنية.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة