الفكر العربي
تُطلق «مؤسسة الفكر العربي»، من أرض الكويت يوم غد، وضمن أعمال مؤتمر (فكر 8)، «التقرير العربي الثاني للتنمية العربية» متضمناً محاور كثيرة منها:
- اقتصاديات التعليم الجامعي.- المعلوماتية كرافعة للتنمية الثقافية.- الخطاب الثقافي في وسائل الإعلام.- حركة الإبداع: الأدبي، والسينمائي والدرامي والمسرحي.وبعيداً عن الأجواء الاحتفالية لهذا المؤتمر، وما سيُطرح ويُناقش من آراء في جلساته المتعددة، فإن ما يعنيني في الأمر هو حال الفكر العربي، وتحديداً المنحى الثقافي، متضمناً الإبداع بوصفه رأس الحربة لأي تنمية بشرية عربية.إن عقد أي مقارنة بين حال الشعوب العربية المتردية، وحال أي شعب أو أمة من الأمم، تُظهر، وللأسف، تأخر الأقطار العربية في شتى مناحي الحياة، الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية والثقافية والفنية والإعلامية والرياضية، وان الشعوب العربية باتت تحتل ذيل القائمة في أي دراسة أو بحث عالمي. يقول أبو الطيب المتنبي:لا خيل عندك تُهديها ولا مال فليُسعِد النطق إن لم تُسعد الحاللا شيء عندنا كشعوب عربية يستحق أن نفخر ونفاخر به سوى الإبداع. وقد تبدو هذه الفكرة مثيرة للجدل في أول وهلة، لكن نظرة متأنية لها تظهر بما لا يدع مجالاً للشك، صدقها وموضوعيتها.إن المتابع لحركة الإبداع والأدب في العالم، سواء كان قصة قصيرة، أو رواية، أو قصيدة، يرى بوضوح أن هناك نماذج إبداعية عربية لا تقل عن أي نتاج عالمي، بل أنها تقف موقف الند له. وهذا يدلل على قدرة المبدع العربي، بالرغم من ظروف حياته المحبطة والمتردية والقاسية، على أن يلحق بركب وحركة الإبداع العالمي الإنساني، ويكون لسان حال مجتمعه، مثلما يظهر عظمة الإبداع، وعدم تبعيته لأي جنسية أو عرق.لقد عجزت الأنظمة العربية، باختلاف مشاربها على الإتيان بنهضة حقيقية لشعوبها، مما حمّل الشعوب العربية وزر تخلف أنظمتها التسلطية، لكن الإنسان المبدع العربي وحده، استطاع أن يعكس معاناته الخاصة، لتكون فناً وأدباً إنسانياً رفيعاً لا يقلّ عن أي نتاج إبداعي عالمي، وهذا ما ضمن لأسماء إبداعية عربية، حضورها العالمي، وجعل من مادة إبداعها مادة إنسانية للقراءة والدرس والتأمل.إن خلاصاً للشعوب العربية من تأخر بغيض، وتبعية اقتصادية واجتماعية تجثم على أنفاسها، إنما يمرَّ عبر بوابة الإيمان بفكر وإبداع وكرامة أبناء هذه الأمة، ويمر أيضا عبر احترام مبدعيها وإنزالهم المنازل الكريمة التي تليق بهم.إن انعقاد مؤتمر للفكر العربي، وإطلاق تقرير للتنمية العربية، لجهد مشكور يستحق التقدير والثناء، لكن وقفة متأنية ومتفحصة للمخرَج الحقيقي من أزمة الأمة العربية، لتظهر بجلاء، ضرورة الإيمان بجدوى الفكر والفن والأدب، كسلاح لمواجهة التخلف، ومن ثم احتضان العلماء والمبدعين بما يستحقون من تقدير واحترام، وإعطائهم الحرية للتعبير عن أفكارهم وتصوراتهم.إن إصلاحا حقيقيا لحال العالم العربي، يتطلب احتراما وإعزازا للمفكر والمبدع والفنان، وإلى أن يحين ذلك الوقت، سيبقى حال الشعوب العربية يحتل ذيل القائمة الإنسانية.