ألغُوا عقوبة الحبس
حين قال سمو أمير البلاد منذ سنوات إن الفساد لا تستطيع حمله "البعارين"... لماذا لم تحاسب الحكومة أياً من هؤلاء المفسدين؟ لماذا لم يتم معاقبة مَن ينتهك القوانين في وضح النهار؟ لماذا يسرح الفاسدون في البلد ويمرحون، ويُزَج بالمنتقدين في السجون ويعاقََبون بأقسى العقوبات على "أخطائهم" ويحاكَمون كمجرمين؟ لماذا يتم العبث بالمال العام ويأتي الاستجواب على أثره في جلسة سرية لينتهك أبجديات الديمقراطية من شفافية وحق الحصول على المعلومات؟ بيت الداء هو انعدام الشفافية الذي يسهل على المسؤولين التهرب من مسؤولياتهم... واليوم بعد أن بلغ السيل الزبى تضيق صدور المسؤولين بالنقد اللاذع متجاهلين مَن ضاق بهم هذا البلد المريض المغيب الذي دخل غرفة الإنعاش ولم تبدأ بعد عملية إنعاشه. يساق الكُتَّاب والنشطاء إلى المحاكم ويُجرجَرون إلى السجون ويلاحَقون كمجرمين، مرةً تحت قانون أمن الدولة ومرة باسم قانون الجزاء ومرة بحجة قانون المطبوعات والنشر، وكلها قوانين "غير دستورية وغير ديمقراطية" تعارض صراحة نصوص الدستور والمواثيق الدولية التي وقَّعتها الكويت... فالحبس الاحتياطي للكاتب محمد عبدالقادر الجاسم وفق قانون أمن الدولة ينتهك المبدأ العادل الذي يقر ببراءة المتهم حتى تثبت إدانته، هذا بالإضافة إلى أن قانون جرائم أمن الدولة، حسب بعض المحامين، يعتبر غير دستوري، فأستاذ القانون الخاص د. مرضي العياش يقول: "إن نصوص قانون جرائم أمن الدولة جاءت فضفاضة وواسعة، بحيث يمكن لأيٍّ كان استخدامها وتوجيهها ضد حرية أي فرد من أفراد المجتمع، وهي بذلك مخالفة لنص المادة 32 من الدستور".
وبعد قضية حبس الجاسم في السجن المركزي بسبب رأيه، ها هو خالد الفضالة، الأمين العام للتحالف الوطني، يقضي أيامه خلف القضبان بسبب ملاحقة سمو رئيس الوزراء من خلال قانون الجزاء، ليكون جزاؤه الحبسَ، وهي عقوبة تعمل بها القلة القليلة من الدول الاستبدادية غير الديمقراطية... فقد ألغت الدول المتحضرة الديمقراطية عقوبة الحبس في قضايا النشر والرأي، ما لم تحرض على العنف والقتل، وأحلت محلها العقوبات والغرامات المالية للمتضرر، وهو الأمر الذي أثبت نجاحه في ردع قضايا التشهير والابتزاز والإساءة... فللمتضرر حق التعويض المدني وحق الرد بكل شفافية بالحجج والبراهين التي تثبت عدم صحة الرأي المنسوب إليه... لا شك أن حرية التعبير تقف عند حرية الآخرين، ولكن لا بد "للجريمة" أن تتناسب والعقوبة، فعقوبة الحبس مقيدة وسالبة للحريات العامة... وها هي مؤسسات المجتمع المدني في مصر والأردن تناضل من أجل إلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر والرأي. لم تقف المخالفات الدستورية عند قانون أمن الدولة وقانون الجزاء فحسب، بل تعدتهما إلى قانون المطبوعات والنشر الذي وقَّعه نواب الأمة مدّعو الحريات اليوم، الذين تقطعت أحبال حناجرهم دفاعاً عن حرية التعبير حسب مصالحهم، فالحريات عند سادة الظلام تتجزأ... فأفرغوا الدستور من محتواه بتصويتهم على القانون وجعلوه مجرد حبر على ورق... ووافقوا على تضييق الحريات بدلاً من توسيعها بتغليظهم للعقوبات دون مراعاة لنص المادتين 36 و37 اللتين كفلتا حرية الرأي والتعبير والنشر... ليساق أصحاب الرأي إلى نيابة الخمور والمخدرات ولتتخذ ضدهم إجراءات الحسبة بسبب آرائهم ومعتقداتهم... فلم يحرصوا على حماية حرية الصحافة وحق الحصول على المعلومات، ولم يراعوا حقوق الصحافيين ضد القمع والاعتقال والتعسف. يقول جان جاك روسو إن القوانين الجيدة تخلق قوانين أفضل، والقوانين السيئة تؤدي إلى قوانين أسوأ، فلو كان القانون يسمح بلجوء الأفراد إلى المحكمة الدستورية للنظر في مدى دستورية القوانين، لما أضعنا الوقت والجهد لتغيير قوانين بالية من مخلفات العصور الوسطى... أما اليوم فالقضية باختصار هي كما عبَّر عنها النواب عبدالرحمن العنجري وأسيل العوضي وصالح الملا، تستدعي العمل على تغيير القوانين المتعسفة بما ينسجم والدستور والمواثيق الدولية التي صادقت عليها الكويت. متى يعي المسؤولون أن القضية اليوم هي قضية محاربة فساد وهيبة قانون وحريات؟ هي شريان الحياة ومصدر أمنها وازدهارها، لا تكميم أفواه وهيبة مزعومة؟ فبيرم التونسي يقول: "لولا النقاد لهلك الناس، ولطغى الباطل على الحق، ولامتطى الأراذل ظهور الأفاضل، وبقدر ما يخفت صوت الناقد يرتفع صوت الدجال".