تاريخياً، لا يقل اللجوء إلى القضاء الدستوري لتعديل القوانين في الأنظمة القائمة على مبدأ فصل السلطات فاعلية ووعداً بنتائج إيجابية عن النهج التقليدي المتمثل في البرلمان، وقد اطلعت في مادة القانون في الجامعة على أمثلة كثيرة في النظام الأميركي لأحكام صادرة عن المحكمة الدستورية العليا شكلت علامات فارقة في تاريخ الولايات المتحدة ورسمت ملامح المجتمع الأميركي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، ومازالت كلمة أستاذ المادة غاري هنتر ترن في أذني: «إذا أردت تغيير القانون، فاستمر في رفع القضايا» فذلك أسهل من اللجوء إلى الكونغرس، وقد أثبت هذا النهج فاعليته في الكويت إذا كان الهدف تصحيح الاعوجاج الدستوري في قوانيننا، إذ اتسمت أحكام المحكمة الدستورية في الغالب بعمق تفسيراتها وجنوحها نحو الدستور وروحه ومبادئه.
ومن الملاحظ خلال السنوات القليلة الماضية أن هناك نشاطاً محموماً من قبل المواطنين في الدفع بعدم دستورية القوانين، وتوجهاً متزايداً من قبل المحاكم بقبول تلك الدفوع وإرسالها إلى المحكمة الدستورية، وشهية منفتحة من قبل المحكمة الدستورية في النظر فيها والحكم في مصلحة الديمقراطية والحريات، وهذا مؤشر مطمئن بأن المحكمة الدستورية تمثل بالفعل صمام أمان لنظامنا الديمقراطي، ولطالما آمنت- كما قال أستاذي- بأن هذا النهج هو الأمثل لتصحيح الأوضاع القانونية الخاطئة لدينا، خصوصاً بوجود سلطتين تشريعية وتنفيذية هما آخر من يؤتمن على الديمقراطية والحريات والعدالة والمساواة.أقول ما سبق بعد إصدار المحكمة الدستورية يوم الاثنين الماضي حكمها في الطعن المقدم من الشيخ طلال الفهد في دستورية منع الجمع بين المناصب الرياضية الوارد في قانون الإصلاح الرياضي 5/2007، إثر إقالته من منصبه كنائب مدير الهيئة العامة للشباب والرياضة بينما كان يرأس نادي القادسية، فعلى الرغم من حفلة التطبيل والتضليل التي يمارسها الفهد وتكتله والصحف التابعة له مصورين بأن الحكم جاء لمصلحته، فإن المحكمة بعكس تضليلهم أكدت عدم جواز جمع الفهد منصبي الهيئة والنادي كون الأولى رقيبا ومنظما للثاني، وفي المقابل أكدت حقه في الاختيار ما بين المنصبين في هذه الحالة، وبذلك، فإن المحكمة انتصرت لمبدأين إنسانيين وقانونيين أصيلين حملهما الدستور نصاً وروحاً: الأول هو عدم جواز تعارض المصالح، والثاني حق المواطن في حرية الاختيار، لذلك لا يسعني كمواطن مهتم بتعزيز الديمقراطية وإثرائها إلا أن أشكر الشيخ طلال الفهد على مساهمته- بعكس ما كان يتمنى- في تعزيز هذين المبدأين وتحصين الأغراض التي جاء قانون الإصلاح الرياضي من أجلها إلى الأبد.Dessertالمفارقة أن الفهد لم يمانع الاحتكام للقانون والقضاء عندما مست مصلحته الشخصية، بعكس ممانعته تطبيق قانون الإصلاح الرياضي خلال السنوات الثلاث الماضية، فأتمنى أنه قد فهم الدرس أخيراً بأن الاختلاف يعالج بالاحتكام للقانون والقضاء، وليس بالتعنتر وانتحال الصفة والتآمر الخارجي على الكويت بمراسلات الباب الخلفي.
مقالات
شكراً طلال الفهد
18-03-2010