آخر وطن : شجرة بلاستيكية


نشر في 06-08-2010
آخر تحديث 06-08-2010 | 00:01
 مسفر الدوسري إنها ليست مزحة...

البعض يستنزف العمر في رعاية شجرة بلاستيكية!

شجرة بلاستيكية...

يجعل من شرايينه سواقي صغيرة لا همّ لها سوى: جلب الماء وسقاية تلك الشجرة بماء الحياة، ظناً أنه بذلك سيعيد الحياة إليها!

متخيّلا ملامح الفيء الذي سيتلحفه ذات هجير تحت أغصانها... في الوقت الذي ستبحث فيه تلك الشجرة عمّا تتفيأه!

يأخذه الوهم حدّاً يجعله يستشعر بلسانه طعم الثمر الذي سيجنيه غداً منها...!

يحرص ألّا يفوّت صلاة استسقاء...لأجل عيون ثوبها الأخضر، يحفظ أناشيد المواسم كلها كتعاويذ ينثرها حول جسدها عند الحاجة!

يذهب العمر في رسم أحلام لا يُجنى منها سوى الريح، إن كان هذا غباءً، فكلنا معرّضٌ للوقوع فيه!

كلنا معرّض لأن يكون ذلك الشخص الذي يجعل من حياته خاوية إلّا من شجرة... بلاستيكية!

دوناً عن كل الشجر وأنواع النبات كلها يختار شجرة لا تنبض...!

حينها سيصبح كل غدٍ ليس أكثر من يومٍ من العمر ضائع!

تُهدر قربه الأماني على عمرٍ مهدور

عمرٍ لن يُورِق غصنا، ولا عشّ حمامة، ولا ظلاً يُتقى به حرّ القائلة!

عمر لن يطعمك سوى ما يتساقط بعد الاستواء من ثمر الألم!

عمر سيعرف به هادره متأخراً... أنه لم يكُن يروي سوى حقل الجفاف!

كلنا معرّض لأن يكون ذلك الشخص الذي...

يعرف بعد الأوان أن ليس ثمة ما يستحق!

وأن ليس ثمة ماء يكفي حتى... للبكاء!

يعرف حينها أنه استنزف ماء العمر على... شجرة بلاستيكية...

الشمس تجعل لجسدها رائحة نتنة

بعكس أي شجرة حقيقية...

الشجرة الحقيقية... تتخلل جسدها أشعة الشمس، فتنساب في عروقها مُهيِّئة الحياة التي ستحتضن قطرة الندى التي ستسيل على ورقة غصنها الطري في بواكير الصباح!

وعلى ذكر قطرة الندى، ليس هناك ما هو أقبح منظراً من رؤية قطرة ندى على ورقة شجرة بلاستيكية...

تشبه دمامل على وجهٍ قبيح مصاب بالجدري!

لا الماء ولا النور قادران على «مكيجة» شجرة بلاستيكية، أو رسم خضرتها، أو تصميم شكل بلوزتها أو أختيار لون تنّورتها، أو حتى مجرد تخيّل فستان عرسها!

ليس لعجز في أيٍّ منهما بل لأنها ببساطة:

شجرة بلاستيكية!

لا تملك روزنامة للوقت... لأنه أصلاً لا يهمّها!

لا تتبع نشرة الأحوال الجوية...

ولا تحفظ بين ضلوعها أغاني المطر التي اختزنتها الذاكرة،

تلك الأغاني لها شيء...

وليس له أثر في مقاس بسمتها، أو حرارة آهتها...

لأنها ببساطة... شجرة بلاستيكية!

حتى الموسيقى... لا تحرك ساكناً في جسدها

الشجرة الحقيقية أو النبتة الطبيعية تحيا وقد تموت بسبب الموسيقى

التجارب والدراسات أثبتت ذلك

بعض النباتات الاستوائية تتمايل على حبل نغم!

بينما لا تحرك الموسيقى ساكناً في الشجرة البلاستيكية!

كلنا معرض لأن يكون الشخص الذي يفقد عمراً من أجل شجرة لا تحرك الموسيقى بها ساكناً!

ليس خطأ أن نحب شجرة... حتى لو كانت بلاستيكية، إنما غباء أن نعتقد أنها... ستثمر...!

back to top