كان أحد الأساتذة البريطانيين يلقي محاضرة عن موضوع محدد في الرواية الإنكليزية، يناقش من خلاله "الشعور في الرواية"، ومن خلال رصده لبعض الأسماء النقدية التي طرحها جاء اسم إيهاب حسن وبعض أطروحاته الحداثية في الرواية. كانت تلك هي المرة الأولى التي يذكر فيها اسم الرجل أمامي. لا أتذكر أنني سمعت عن إيهاب حسن أو قرأت له أو عنه من قبل. ورغم عروبة الاسم، ومصريته تحديداً، لا أتذكر أنني سمعت من الأساتذة النقاد المصريين شيئاً عنه. خرجت من المحاضرة ولم أشبع فضولي بسؤال المحاضر عن الرجل. كان ذلك غير ممكن لحظتها. وعدت أبحث عن الرجل وسؤالي الأول من هو إيهاب حسن الذي استشهد به المحاضر؟

Ad

ولد إيهاب حسن في مصر عام 1925، وتخرج مهندساً متفوقاً، وتم إيفاده لإكمال دراسته العليا في الولايات المتحدة الأميركية. وحصل على درجة الماجستير في الهندسة، ولكنه فجأة غيّر طريقه ونال شهادة في الأدب الإنكليزي، ثم ماجستير عام 1950 ودكتوراه عام 1953. تذكرني هذه الحياة بأشياء جميلة ومؤلمة لا مجال لذكرها الآن. بعد ذلك بدأت شهرته في العواصم الثقافية، وتنقل محاضراً بين باريس ولندن وطوكيو– ليس بين تلك العواصم عاصمة عربية حسب معلوماتي.

عمل إيهاب حسن مخلصاً للنظرية الأدبية، وساهم في وضع أطر مصطلح ما بعد الحداثة، واشتهر بجدوله عن الحداثة وما بعدها. نشر مجموعة من الكتب المؤثرة في الحداثة وما بعد الحداثة، أولها كتاب "البراءة الراديكالية: دراسات في الرواية الأميركية المعاصرة" عام 1961، وآخرها مجموعة مقالاته التي كتبها بين عامي 1998 و2008 تحت عنوان "بحثاً عن لا شيء: مقالات مختارة"، كما نشر عدداً لا يحصى من المقالات الأدبية عن الأدب والرحلة والنقد، ولكنه في كل هذا عاش مفكراً أميركياً لا يمت للحياة الثقافية العربية بصلة.

لم يلتفت إيهاب حسن إلى العالم العربي الذي تركه خلفه، ولم أقرأ له سوى قصة واحدة بعنوان "أحمد"، يتحدث فيها عن شاب مصري من دمنهور جاء إلى نيوزيلندا ليعمل نادلاً في "الهيلتون" فيتعرف إلى الراوي (إيهاب حسن) الذي يخبره أنه من لبنان، ولكنه لا يعرف شيئاً عن لبنان أو اللبنانيين. يصحبه الشاب المصري وزوجته في جولة في الحي اللبناني، ويدعوه إلى وجبة لبنانية ثم يحدثه عن أخته التي تسكن في الأردن وأطفاله في مصر من زواجه الأول. يعود الراوي إلى أميركا ليكتشف سرقة بطاقته الهاتفية ومطالبة شركة الاتصالات ATandT بمبلغ يفوق الألف دولار عن مكالمات لمصر والأردن. ينكر الراوي أنه أجرى هذه المكالمات، وأنه لا يعرف أحداً في مصر أو الأردن. تتدخل الـFBI وعضوان من الكونغرس لإسقاط الفواتير عنه. يعود مرة أخرى إلى نيوزيلندا بحثاً عن أحمد الذي يجده مصاباً بالسرطان. يدخله أحمد إلى غرفة خاصة أقام بها قرية مصرية كاملة بمنازلها الطينية وحقولها ومواشيها وحميرها وقططها، فلا يجد الراوي مجالاً ليسأله عن الفاتورة، وإن سأله بسوء نية عن أخته التي تعمل في الأردن. بالمناسبة إيهاب حسن ليس روائياً والعمل لا يندرج تحت ما يسمى "Fiction".

إيهاب حسن، الذي يحاول الأدب العربي والإخوة في مصر إعادة اكتشافه والاحتفاء به بين مناسبة وأخرى، مع كل تقديري لطرحه النقدي وجهده الإبداعي في النظرية الحديثة، لن نجد فيه ما وجدنا في أحمد زويل أو إدوارد سعيد، فالرجل دخل مصر مرة واحدة سراً، وخرج منها سراً وإذا كان يريد ذلك فليكن له ذلك. نناقشه كمفكر أميركي أو إنساني نعم، أما ان نجبره على أن يكون مصرياً وعربياً فلا.