الاهانة فوق الجرح
عبث وشخصانية حكومية، تعسف وابتذال نيابي متراكم «انقلب ضده»، شيكات ورشاوى وأسرار مصرفية، تجمعات ومسيرات، صحف وقنوات، ردح وصراخ و»بلطجة»، تصريحات وبيانات وفتاوى، شيوخ قبائل وملوك طوائف ودراويش، ضرب وسحل واعتداء، أمن كاذب وإعلام فاسد، عنجهية سلطة وتكبر. الوضع مباراة كرة قدم تلاشت فيها خطوط التماس وهناك من يغير قواعد اللعبة بين الشوطين، وحكم المباراة ليس عادلاً. كل ما سبق يجسد ملامح الوضع الجديد مع صعوبة استيعابه وسط الضجيج واختلاط المفاهيم، ولكن قضية إطلاق سراح صباح المحمد الصباح من سجنه بإمكانها أن توضح لنا الأمور ومن خلالها نفهم حجمنا الطبيعي في الوضع الجديد.
لمن لا يعرف القصة، صباح المحمد أدين- ولم يعد متهماً فحسب- بتهمة سب وقذف النائب العام في أثناء التحقيق معه في إحدى القضايا*، وعاقبته المحكمة بالسجن ثلاثة أشهر، فقام بتسليم نفسه لتنفيذ العقوبة ضمن فيلم بإخراج هوليوودي والسيجار في فمه عند باب إدارة تنفيذ الأحكام، وأكملت جريدته الفيلم لعدة أيام تستنطق الناس دعماً وإشادة فيه «لأنه سلم نفسه وواجه السجن بشجاعة»، وكأنه يريدنا أن نحمد ربنا أنه تكرم علينا بتنفيذ حكم قضائي، ثم طلب ذاك الشجاع استبدال عقوبة السجن- أي الإفراج عنه- لأن المادة (235) من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية تتيح له ذلك، فأطلق سراحه، وتضاربت الأقوال حول من أصدر القرار، ووردت تقارير عن إلغائه من قبل وزير الداخلية، إلا أن الحقيقة هي أن صباح المحمد ليس في السجن وجالس في بيته حتى لحظة كتابة هذا المقال.ما أراه هو أن الأحداث الأخيرة كعكة كل قطعة منها تمثل حدثاً، وتأتي قضية صباح المحمد لتكون الكرزة التي تزين الكعكة قبل حشرها عنوة في بلعومنا. هذه القضية ببساطتها وربطها بالأحداث الأخيرة تبين لنا ما يراد لحجمنا أن يكون. وضعنا الجديد عنوانه الازدراء، حيث لم يعد للكرامة أي اعتبار ولم يعد لاحترام الذات والعقول والناس والتاريخ مكان. حكومة تستخف بمجلس الأمة وتعطل عملها، نواب يمثلون الأمة بأسرها (الدستور مادة 108) يُضربون، النائب العام يعمل باسم المجتمع (الدستور مادة 167) يُهان في عقر داره، وحكومة تستنكر الاعتداء على من يزدري الناس، وتبارك الاعتداء على المواطنين والنواب وسب النائب العام وسحل أستاذ جامعي. المجرم لا يفلت من العدالة ويجلس في بيته فحسب، بل يجد الدعم والتشجيع والحماية، والشاهد يلاحق ويسجن... و»اللي مو عاجبه، الله ما كثر الطوف». هذا هو الوضع الجديد، الإهانة فوق الجرح، ولكن سيأتي يوم يفهم فيه المطبلون والراقصون طرباً أن «من يهن يسهل الهوان عليه»، وأن الدوائر تدور، والانتهازية والوفاء لا يجتمعان، فمن يرقص لهم اليوم سيجد لنفسه مطبلين أمهر وأرخص غداً.* من أراد معرفة ما قاله صباح المحمد بحق النائب العام يجدها على مدونة أم صدة:http://om9edda.blogspot.com/2010/07/blog-post_07.html