نصت المادة (43) من الدستور على "حرية تكوين الجمعيات والنقابات على أسس وطنية وبوسائل سليمة مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون...".

Ad

التنظيم التشريعي للحق الدستوري

ومن هنا، فإن كل منظمات المجتمع المدني بما فيها غرفة تجارة وصناعة الكويت، إنما تستمد حقها الدستوري في تكوينها وتحديد أهدافها وأساليب عملها ووسائله من الدستور مباشرة، على أن تلتزم في ذلك بالشروط والأوضاع التي يصدر بها قانون.

إلا أنه ليس معنى تفويض الدستور للمشرع بتحديد هذه الشروط والأوضاع، إطلاق يده، بما ينتقص من الحق الدستوري أو ينال منه، وهو المبدأ الذي استقر عليه القضاء الدستوري، في كل الدول التي تأخذ بهذا النظام.

فقد قضت المحكمة الدستورية في الكويت في حكمها الصادر في أول مايو سنة 2006، بأن المشرع فيما يسنه من قوانين تنظيماً للحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، باعتبارها من الدعامات الأساسية التي لا يقوم أي نظام ديمقراطي من دونها، يجب عليه ألا يجاوز الحدود والضوابط التي فرضتها هذه النصوص، أو ينال من أصل الحق، أو يحد من ممارسته أو يحيد عن الغاية من تنظيمه على الوجه الذي لا ينقص من الحق أو ينتقص منه.

كما قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر، بأن الدستور إذ يعهد إلى السلطة التشريعية تنظيم موضوع معين، فإن تشريعاتها في هذا الإطار لا يجوز أن تنال من الحق محل الحماية الدستورية، باقتحامها بالنقض أو الانتقاص من المنطقة التي اعتبرها الدستور مجالاً حيوياً لهذا الحق لضمان فاعليته (جلسة 4 يناير سنة 1992- ق 27 لسنة 8 قضائية دستورية).

وأن تنظيم المشرع للحق الدستوري ينبغي ألا يعصف به أو ينال منه، وأن القواعد التي يتولى المشرع وضعها تنظيماً لهذه الحقوق، يتعين ألا تؤدي إلى مصادرتها أو الانتقاص منها، كما يتعين ألا تخل بالقيود التي يفرضها المشرع في مجال هذا التنظيم (جلسة 15/4/1991 ق23 لسنة 8 ق دستورية عليا).

ولهذا عندما صدر قانون جمعيات النفع العام وقانون العمل في القطاع الأهلي، التزما بالمبدأ الدستوري في حرية تكوين منظمات المجتمع المدني والذي يمتد ليشمل حرية أعضائها في وضع نظامها الأساسي ولوائحها الداخلية.

يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء

وهي قاعدة من قواعد أصول الفقه ينبغي أن تكون نهج المشرع في كل تعديل لتشريع قائم، أو في كل تنظيم جديد لمسألة نظمها تشريع سابق.

فإذا كان قانون الغرفة لسنة 1959، قد نظم تنظيما كاملا هياكل الغرفة وصلاحياتها، وصلاحيات هذه التشكيلات، فيغتفر له ذلك في غياب أي تنظيم دستوري وتنظيم تشريعي للجمعيات والنقابات واتحادات أصحاب الأعمال، يقرر حرية تكوين هذه التنظيمات والمبادئ التي تحكم إنشاءها وتكوينها تاركا لأصحابها الحق في وضع ما يرونه من تنظيم لها في تحديد أهدافها وأساليب عملها ووسائله.

فإذا قام المشرع بإعادة تنظيم الغرفة تنظيما شاملا في ظل العمل بالمادة 43 من الدستور، على غرار التنظيم المقرر في قانون 1959، فهو أمر لا يغتفر له، لأنه بذلك يكون قد عصف بالحق الدستوري الذي أصبحت الغرفة تستمده من المادة (43) من الدستور.

مشروعات تناست أصل نشأة القانون

والبادئ من استعراض نصوص المشروعات الأربعة لقانون الغرفة المقدمة أو المحالة إلى مجلس الأمة، فضلا عن مشروع القانون الذي أقرته اللجنة في تنظيمها الكامل الشامل للغرفة، أنها تناسب جميعا أصل نشأة هذا القانون، في غياب أي تنظيم دستوري أو تشريعي لمنظمات المجتمع المدني، الأمر الذي شكل ضرورة أملت على المشرع- وقتئذ- النهج التشريعي الذي انتهجه في تنظيم الغرفة تنظيما كاملا.

فإذا كانت الضرورة تقدر بقدرها، وقد زالت هذه الضرورة بصدور الدستور الذي قرر المبدأ الدستوري في حرية تكوين الجمعيات والنقابات في المادة 43، كما صدر قانون جمعيات النفع العام وقانون العمل في القطاع الأهلي، ملتزميّن بهذا المبدأ، فإنه في ظل هذا التنظيم الدستوري والتشريعي لمنظمات المجتمع المدني، ما كان ينبغي على مشروعات قوانين الغرفة سالفة الذكر، أن تنتهج النهج التشريعي ذاته الذي انتهجه قانون 1959، وقد زالت الضرورة التي أملته، وهو ما سوف يعرض أي مشروع قانون من المشروعات المقدمة إلى مجلس الأمة فضلا عن مشروع اللجنة عند إقراره وإصداره لطعن بعدم دستوريته.

الغرفة تبنت تنظيم قانون 1959

لهذا فإن قانون الغرفة لسنة 1959، قد أصبح بصدور الدستور تنظيماً للحق الدستوري في تكوين الجمعيات والنقابات المنصوص عليه في المادة 43 من الدستور والذي لا يجوز له أن يعصف بهذا الحق، بحرمان أرباب غرفة تجارة وصناعة الكويت من حقهم الأصيل في وضع نظام أساسي جديد لها، وإن اختلف عن النظام الذي تبناه القانون، لأنهم يستمدون هذا الحق من الدستور مباشرة.

ولهذا فإن الجمعيات العامة لغرفة التجارة، قد حلت معضلة التوفيق بين هذا التنظيم الذي أورده قانون 1959 وبين حقها الدستوري في وضع نظامها الأساسي بما أدخلته من تعديلات على هذا التنظيم، تبنت بها هذا التنظيم، وأصبح هذا التنظيم نابعا من إرادتها وحدها.

المظلة الدستورية لتعديلات الغرفة

وهذا أيضا معناه أن التعديلات التي أدخلتها الجمعية العامة للغرفة على النظام الأساسي لها، إنما تستمد سندها الشرعي والدستوري من الحق الدستوري المقرر للأفراد في تكوين منظمات المجتمع المدني بحرية في المادة 43 من الدستور فهو المظلة الشرعية والدستورية لهذه التعديلات، فهو ليس تعديلا للقانون بأداة أدنى مرتبة، بل هو تعديل للنظام الأساسي للغرفة، الذي تستمد الجمعيات العامة حقها في إصداره أصلا، وفي تعديله من النص الدستوري مباشرة.

وجدير بالذكر أن القانون رقم 24 لسنة 1962، قبل صدور الدستور، كان مظلة شرعية أخرى لهذه التعديلات، فيما أسنده بالمادة (16) إلى الجمعيات العمومية غير العادية لجمعيات النفع العام من حق في تعديل أنظمتها الأساسية.

مثلما كان الحق الدستوري للأمير في ترتيب المصالح العامة، المنصوص عليها في المادة (73) من الدستور هو السند الدستوري للمشرع في إصدار القانون رقم 116 لسنة 1992، الذي أجاز تعديل قوانين إنشاء الهيئات والمؤسسات العامة لنقل تبعيتها من وزير إلى آخر، بمرسوم- وهو أداة أدنى مرتبة من القانون، لم يستمد حقه في تعديل هذه القوانين من القانون رقم 116 لسنة 1992، وإنما من المادة 73 من الدستور مباشرة.