أفرح كثيراً حين تطلب مني الخادمة إذناً بالخروج، لأن هذه اللحظات تمنحني شعوراً بأنني إنسانة، ولست من فصيلة آكلي لحوم البشر، فحياتنا العائلية المشتركة مع مَن يخدموننا أصيبت بأزمة انهيار الحدود، فلا هم ولا نحن، نعرف ما هي الحدود التي يجب أن نقف عندها، وهم لا يملكون قدرة على رفضها، لأنهم يحتاجون إلينا ونحن نحتاج إليهم، ولا نعرف إلى أين ستصل بنا التنازلات، وهل هي من طرف واحد أم من الطرفين؟
عندما انتقلت للعيش في دبي، طلبت مني الخادمة في أول أسبوع إذناً لتذهب إلى الكنيسة للصلاة، شعرت لحظةً بالدوار، فقد كان طلباً غير مألوف لدينا في السعودية، حاولت أن أسأل نفسي أين أنا بالضبط؟ تذكرت أنني في دبي وعلى بعد مئات الكيلومترات من الرياض، والخادمة وجدت مكاناً للصلاة، لأن قريباً لها كان قد مات وتريد أن تصلي لروحه. في الرياض كنت أصاب بالفزع حين تطلب مني الخادمة الخروج، لا لأنني أخاف أن تهرب بل لأنني أخاف أن تختفي كما فعلت إحداهن، التي اقتضى بحثي عنها أسبوعاً كاملاً دون طائل، ليصل صوتها عبر هاتف يقول إنها في سجن المتخلفين. وأخرى لاحظت أنها كثيرة البكاء حين وصلت إلي وتعاني ما يسمى علمياً «الحنين إلى المنزل» وقد قطع قلبي بكاؤها، حثثتها على الخروج يوم الجمعة إذ تتجمع الجاليات من نفس جنسيتها لتسرّي عن نفسها وبعد مرتين اكتشفت أنها تحجبت، واتصل بي رجل من مكتب الدعوة والإرشاد ويقول خادمتكم أسلمت على يدنا فأرشدوها إلى الإسلام الصحيح، سألتها كيف أسلمت؟ قالت لي إنها كلما ذهبت إلى البطحاء قابلها رجال يجمعونها وأمثالها بالقوة ويدخلونهم خيمة ويحدثونهم عن الإسلام فشعرت أن نداءً قد استيقظ داخلها، لكنها في إجازتها ذهبت إلى بلادها، وخلعت حجابها، وذهبت تشكر ربها في الكنيسة على عودتها إلى أهلها. يفرح الناس بتحويل خدمهم إلى الإسلام، وإن قلت لهم إن تحرير رقبة أو ما يعادلها من الصدقات وعمل الخير هو خير وأتقى ترددوا في المضي فيه، لأنهم شغوفون بالتملك، بامتلاك عقول الغير، ودين الغير وأفكار الغير، ليتضح أنه ليس صحيحاً أن نحب أن نهدي الآخرين لما فيه خير لهم بل لما فيه خير لنا وهو رفع علم الانتصار والتفوق والتميز عليهم.
أخر كلام
الخادمة تطلب إذناً للكنيسة
21-05-2011