دعه يعمل... دعه ينهب

نشر في 30-01-2011
آخر تحديث 30-01-2011 | 00:00
 عبدالمحسن جمعة البقية تأتي... كلمتان أنهيت بهما مقالتي السابقة الأحد الماضي، تعليقاً على أحداث تونس وأوضاع الدول العربية، توقعت فيها أن يتكرر النموذج التونسي في دول أخرى في المنطقة، وهذا ما حدث بعد 48 ساعة فقط في مصر في ثلاثاء الغضب، فمصر هي النموذج الأبرز عربياً للسياسات الاقتصادية التي استمرت منذ أكثر من ثلاثة عقود بدفع من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالخصخصة وإطلاق آليات السوق قبل إنجاز الإصلاح الشامل وضمان العدالة والتوازن الاجتماعي والقضاء على الفساد.

اندفاع مصر عبر حكومات رجال الأعمال والمصريين «الخواجات»، كما يطلق عليهم هناك لأنهم من المهاجرين الذين عادوا إلى البلد بأفكار تحويل مصر إلى نظام رأسمالي كامل، دمر شبكة الضمان الاجتماعي التي كانت موجودة بالحد الأدنى وبشكل مقبول حتى نهاية السبعينيات من القرن الماضي هناك، وهؤلاء كانت أجندتهم «روشتة صندوق النقد والبنك الدولي» لمعالجة الاقتصاد المصري التي لا يأتيها الباطل من خلفها أو أمامها، كما كانوا يصفونها، ودون أي بديل آخر بعد أن تم تسفيه وتحييد نموذج الديمقراطية الاجتماعية الأنسب للمجتمع المصري، وراحت تباع أصول الدولة من مصانع نسيج تاريخية وصناعات دوائية ومرافق سياحية بأبخس الأثمان ودون حصص منها للأغلبية العاملة، وتخلت الدولة عن دعم المزارعين، وهو الأمر الذي دمر الرقعة الزراعية في البلاد وقلص إنتاجيتها– رغم أن معظم الدول الأوروبية والولايات المتحدة تقدم القروض والدعم للمنتجين الزراعيين- ودفع بالهجرة إلى المدن الكبرى لتتكون أحزمة العشوائيات حولها التي تخنقها بسبب فوضويتها وما تسببه من معاناة ومشاكل اجتماعية خطيرة.

لا يمكننا اليوم وبعد هذه الأحداث أن نصف الرئيس حسني مبارك بأنه ديكتاتور، فالحريات السياسية والتعبير عن الرأي ووسائل الإعلام الحرة متوافرة بشكل نسبي في مصر وبسقف مناسب مقارنة بدول المنطقة، ولكنه رجل حكم بالخلفية العسكرية التي أتى منها، والتي تركز على الأمن والسياسة الخارجية، وترك لرجال الأعمال وبطانتهم أن يفعلوا ما يشاؤون في إدارة شؤون الدولة، فأصبح شعارهم «دعه يعمل... دعه ينهب»، وأصبح الملياردير أحمد عز وزملاؤه واجهة العمل السياسي في مصر، كما كان المليونير الطرابلسي في تونس، في تطبيق عملي لثنائية «السلطة – المال» القاتلة والمدمرة لأي مجتمع لا يستطيع التفريق بينهما ويوفر العدالة الاجتماعية وحماية الطبقة الوسطى التي تضمن الاستقرار والتنمية، وهي الطبقة التي سحقت في العديد من الدول العربية لحساب طبقة رجال الأعمال الانتهازية في معظمها، والتي كانت تصعد لها منافع ومكاسب التنمية دون أن تعود للتدفق بنسب معقولة منها على الطبقات الأدنى عبر الضرائب والعمل التطوعي الاجتماعي، بل كان جلها يُهرب ويُكدس في الخارج، وهي السلوكيات التي لابد أن تكون نهايتها مهما طال الزمن الثورة الشعبية والفوضى.

back to top