لاحظ المشاهدون في رمضان هذا العام كثرة البرامج الدينية على كل القنوات، وقد أخبرني أحد الأصدقاء، على سبيل المثال، بأن تلفزيون الكويت وحدَه يبث قرابة الخمسة والعشرين برنامجاً يومياً على قنواته!

Ad

إلا أنه لا مشكلة في ذلك، بل على العكس، فهو شيء محمود عندي، كما أن من حق أصحاب هذه البرامج السعي إلى الظهور الكثيف، أسوة بكل أصحاب البرامج الأخرى للظهور في هذا الشهر، والحكم في النهاية للجمهور الذي سينتقي ما يروق له من هذه البضائع المختلفة.

لكن المشكلة تتمثل في رأيي في أن أغلب هذه البرامج الدينية هو برامج ركيكة وربما فاشلة بالمعايير الإعلامية!

الإعلام اليوم، ولعلي تحدثت عن طرف من هذا الموضوع أخيراً، قد تجاوز مرحلة الطريقة التلقينية البحتة، وأسلوب الكاميرا الواحدة، والزاوية التصويرية الثابتة، ومقدم البرنامج الجامد في حديثه وتعبيرات وجهه وإيماءاته، وكذلك قد صار المحتوى، مهما كان جيداً ونفيساً بذاته، غير كاف على الإطلاق لجذب المشاهد في ظل هذه المنافسة الإعلامية المحمومة، والزحام الفضائي الخانق!

ومع أن هذا كله قد بات معروفاً لكل مَن عنده ولو خبرة بسيطة، إلا أن أغلب المشتغلين على هذه البرامج الدينية، لايزالون مصرين على تقديمها في ذات القوالب المستهلكة القديمة، واعتماداً على ذات الأسماء التي فشل معظمها في تطوير إمكاناته الإعلامية، وكأن الأمر بالنسبة إلى هؤلاء، أعني أصحاب هذه البرامج هو مجرد ذر للرماد في العيون، في حين أنه ليس كذلك أبداً، بل هو رسالة ذات قيمة بالإضافة إلى أنه عمل مجز تجارياً، ومن الممكن بالطبع أن يكون أكثر إدراراً للربح لو تم تطويره!

لكن، وفي غمرة هذا الزحام الفضائي للبرامج الدينية، تبرز من بينها برامج متميزة بحق، يمكن أن يشار إليها بالبنان بكل فخر وسعادة. من هذه البرامج، مثالاً لا حصراً، برنامج «حجر الزاوية»، الذي يقدمه الإعلامي فهد السعوي، مع ضيفه الدائم الشيخ د. سلمان العودة على قناة MBC يومياً.

«حجر الزاوية» مميز فعلاً، بمحتواه المختلف والمثير للجدل غالباً بكسره للجوامد الفكرية، وبقوالبه الإعلامية الجديدة، كوجود الصوت الآخر (أو الطرف المعارض) والذي يقوم بتقديمه الإعلامي أحمد الفهيد من ركن قصي في الاستديو بعيداً عن طاولة المتحاورين، وباستخدام التقنيات الإعلامية العصرية (كجهاز الآيباد في يد السعوي)، وبالتقارير المعدة خاصةً للبرنامج بطريقة حديثة ذكية.

وواضح أن هذا كله لم يأتِ من فراغ أو بين عشية وضحاها، فكما يذكر الزميل عادل العيسى في صحيفة «الحياة» منذ أيام مثلاً، فالشيخ العودة وقبل أن يظهر في أولى حلقات البرنامج اعتكف على القراءة والبحث ستة أشهر، في تركيا، أبحر خلالها في أكثر من 140 كتاباً حول التغيير، وعشرات الآلاف من العناوين عبر الإنترنت، لكي يقدم شروحاً وافية عبر البرنامج.

الشيخ سلمان العودة، والمقدم فهد السعوي والصوت الآخر أحمد الفهيد يتألقون جميعاً في هذا البرنامج الديني الحضاري الحديث، بالأسلوب وبالطرح الخارج عن المألوف من مثل هذه البرامج، ليقدموا للمشاهد برنامجاً دينياً ذكياً واقعياً يستحق المشاهدة بحق.

تحية احترام كبيرة لكل طاقم العمل في هذا البرنامج، ودعوة لكل المشتغلين بالشأن الإعلامي الديني إلى النظر إلى هذه التجربة الرائعة، والعمل على تقديم ما يشابهها، من حيث الإبداع لا الفكرة طبعاً، وكذلك دعوة لكل مشايخنا ممن نجلّ ونحترم، ممن ليس لهم في الظهور الإعلامي لا ناقة ولا جمل، أن يتنحوا جانباً، تاركين المجال لمن هو أفضل منهم فيه، فكل مُيَسَّر لما خلق له.