الدستور والحريات صنوان لا يفترقان، والحريات والإسلام السياسي نقيضان لا يلتقيان. إن ما يدعو حقاً إلى القهقهة المزمنة هو رفع جهابذة الظلام الدستور فوق سيوفهم صارخين «إلا الدستور». نعم نحن ضد رفع الحصانة عن النائب المسلم، لأن الحصانة الموضوعية كما يقول الخبير الدستوري د. محمد الفيلي هي أمر «لا تستقيم الديمقراطية النيابية بدونه، ويقرره الدستور الكويتي في المادة 110». وقضية إبراز النائب فيصل المسلم الشيك المدفوع من حساب رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ ناصر المحمد لمصلحة النائب السابق ناصر الدويلة، هي أمر برأي د. الفيلي «يتصل اتصالاً مباشراً بحرية تعبير النائب عن أفكاره وآرائه المكفولة في الدستور». نعم نتفق مع القول الذي يرى أن محاولات الحكومة والنواب الموالين في إفشال النصاب تصب باتجاه تفريغ الدستور وقمع أداة الرقابة الرئيسية، ولكن الأمر الذي يدعو إلى الدهشة أن الكثير من أعضاء كتلة «إلا الدستور» هم من خنقوا الدستور بأيديهم واغتالوه على حين غرة فسقط جثة هامدة، ثم يأتون اليوم ويمشون بلا حياء في جنازته، يولولون ويلطمون ويتباكون عليه بعد أن مس جلدهم سعير الاستبداد الحكومي في ملاحقة أصحاب الرأي.

Ad

العجيب أن النائب جمعان الحربش الذي ينتمي إلى الحركة الدستورية الإسلامية، التي دعت في السابق إلى إقرار قانون الحسبة، هو الناطق الرسمي لكتلة «إلا الدستور»، أما النائب فيصل المسلم الذي عرض شيك رئيس الوزراء للدويلة فتغاضى عن الخمسين ألفاً التي دفعها رئيس الوزراء للنائب وليد الطبطبائي (الذي ينتمي إلى نفس تكتله)، وبغض النظر عن الحجة الواهية كالقول إنها «لأعمال خيرية»، فهي ذات الحجة التي سيقت لشيك الدويلة، وكلاهما يصبان في خانة المال السياسي.

يتناسى «إلا الدستوريين» تصويتهم أو كتلهم على القوانين غير الدستورية، والتي جمعها مجموعة «صوت الكويت» في كتيب، وإليكم الرابط

http://www.soutalkuwait.com/web/ar/publications الذي يبين بالاسم والصورة النواب المسؤولين عنها، وهي قوانين تناقض ما جاء في المادة (175) من أن «الأحكام الخاصة بالنظام الأميري للكويت وبمبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور لا يجوز اقتراح تنقيحها، ما لم يكن التنقيح خاصاً بلقب الإمارة أو بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة».

يا سادة شعاركم «إلا الدستور» كذبة كبرى ككذبة ديمقراطيتنا تماماً، وهي حالة تدل على الفصام السياسي الذي يعانيه المجتمع بين الشعارات والممارسة. تصرخون «إلا الدستور» وأنتم من حاربتم حقوق المرأة السياسية وشغلتم الناس بالقشور وتوافه الأمور وفرضتم ضوابطكم المتشددة في سعيكم «لطلبنة» المجتمع، وسعيتم لتعديل المادة الثانية من الدستور، وصفقتم لحبس أول سجين رأي وهو الدكتور أحمد البغدادي، وتحالفتم مع الحكومة ثلاثين سنة فاستوليتم على المال والنفوذ، وتآمرتم مع الحكومة على وأد الدستور، فصادرتم الحريات ومنعتم الكتب والحفلات وحرضتم على منع دخول المفكرين وحاربتم بناء دور العبادة وسيستم التعليم وأدلجتم المناهج وأججتم الطائفية والمذهبية، لنعيش حالة غير مسبوقة من التراجع والردة والتخلف، إذ أصبح الممنوع هو القاعدة والمسموح هو الاستثناء.

الدستور هو منتج من منتجات التنوير الذي شكلت الحرية الفردية (التي لا يؤمن بها أحاديو الفكر) ركيزته الأساسية في الديمقراطيات الراشدة، فجاء تكوين العقد الاجتماعي (الدستور) لتتجاوز المرحلة الهمجية التي سبقت ظهور المجتمع، وهاهو الاعتداء على الجويهل يدل بما لا يدع مجالاً للشك على تقهقرنا لتلك المرحلة الهمجية التي تسبب فيها اغتيال الدستور على يد الكثير من «إلا الدستوريين».

يقول أبو الطيب المتنبي، وبالإذن من المصريين:

وكم ذا «بالكويت» من المضحكات... ولكنه ضحك كالبكاء.